للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد شاعت هذه النظرية نظرية خصائص العقلية السامية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ووجدوا لها رواجًا كبيرًا، لظهور بعض الآراء والمذاهب التي مجّدت العقلية الأوروبية، وسبّحت بحمدها، وقالت بتفوق العقل الغربي الخلّاق المبدع على العقل الشرقي الساذج البسيط! ورمز العقل الشرقي هو العقل السامي، فهو لذلك عقل ساذج بسيط. ومن أشهر مروّجي هذه النظرية الفيلسوف الفرنسي "رينان" "ernest renan" "١٨٢٣- ١٨٩٢"، و "كراف كوبينو" "graf arthur gobineau" "١٨١٦- ١٨٨٢م"، وهو من القائلين بتمايز العنصريات البشرية وبتفوق بعضها على بعض وبسيادة العقلية الآرية على سائر العقليات١، و "هوستن ستيورات شامبرلن housten stewart chamberlain" "١٨٥٥- ١٩٢٧م" صاحب كتاب "أسس القرن التاسع عشر"٢.

ومن هذه الموارد أَخَذت "النازية" نظريتها في تفوق العرق الآري على سائر أعراق البشر، وتفوق الجنس "الجرماني" خاصة من العراق الآري على سائر الأجناس والأعراق البشرية. ومن هنا وضع "هتلر" "قوانين نورنبرك" لحماية الدم الآري من الاختلاط بالدماء الأخرى، ولصيانته ولبقائه دمًا نقيًّا صافيًا. ولترسيخ هذه النظرية في نفوس الناس ولترويجها بين الألمان والأوروبيين، شجع البحث في موضوع "الأجناس البشرية"، وحشد عددًا كبيرًا من الأساتذة لإجراء بحوث ودراسات فيه، وأوحى إلى أساتذة التأريخ كتابة التأريخ بطريقة تظهر دائما أن الحضارة البشرية هي حاصل عمل الشعوب الآرية وحدها، وناتج من نتاجها، بتلك الشعوب بدأت وبها تستمر. وقرر أن ما يقال عن حضارات الشرق الأدنى القديمة هو لغو وهراء؛ ولهذا أوجب كتابة تأريخ هذه الشعوب على نحو جديد، وعلى أساس هذه الفلسفة.

وبحوث مثل هذه تقوم في ظروف كهذه أو في ظروف مشابهة لها، لا يمكن أن تكون إلا دراسات فجّة مغرضة، مبعثها عاطفة وقصد مبيت، لذلك لا يمكن الاطمئنان إليها ولا الاعتماد عليها. والبحث في خصائص جنس من


١ Essai sur L'InGgaUt٦ des Races Humaines.
٢ Housten Stewart Chamberlain, Die Grundlagen dea neunzehnten Jahrhunderts, in٢ Vols.

<<  <  ج: ص:  >  >>