للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل ما يهمه منه هو التلذذ بسماع القصص أو الأشعار أو الأخبار وأمور الشجعان أو غير ذلك ولما كان السمر يكون في كل بيت وفي كل مكان. وهو يتناسب مع عقلية القاص أو المتكلم وعقلية السامع وحالاته النفسية التي يكون عليها عند الاستماع إلى السمر، لهذا كان السمر ألوانًا وأشكالًا، منه ما يتناول أخبار العالم، كما وصلت إلى البادية، ومنه ما يتناول أخبار الملوك وأخبار سادات القبائل، ومنه ما يتناول الشعر والمناسبات التي قيل الشعر فيها، ومنها ما يتناول الجن والأساطير والخرافات وأمثال ذلك من غريب، قد يبهر لب أذكى الناس، ويلهب في السامعين نيران العواطف، فيجعلهم يقبلون على الاستماع إليه بكل قلوبهم. على الاستماع إلى هذا العنصر: عنصر التصنع في القص والإغراب، لأن من طبع الإنسان البحث والتفتيش عن كل شيء غريب عجيب.

ويتخذ الملوك والأشراف وذوو اليسر لهم ندماء، يشربون معهم ويقضون وقتهم بالمنادمة. وهم من المقربين إلى الملوك ومن ضيوفهم الذين تكون لهم عندهم مكانة خاصة، وكان من عادة أهل القرى، اتخاذ الندماء، والغالب أن المنادمة تكون على الشراب١. ونجد في أخبار "مكة" التي يذكرها أهل الأخبار، أسماء جماعة من أشرافها، اختصوا بمنادمة بعضهم بعضًا. يبقون في منادمتهم مدة طويلة وقد يقع سوء فهم بينهما، فيترك أحدهما منادمة صاحبه، لينادم غيره.

ويجلس الملك أو سيد القبيلة في صدر المجلس، ودونه بقية الجالسين على حسب المنازل والدرجات، وقد عطر نفسه، وتطيب، وتضمخ بالعنبر وبالمسك.

والظاهر أنهم كانوا يكثرون من وضع المسك على رءوسهم حتى كان يبدو واضحًا جليًّا من مفارقهم. وقد أشير إلى هذه العادة في الشعر والأخبار٢.

وكان من عادة سادة العرب استعمال الخلوق والطيب في الدعة وفي جلوسهم مجالس أنسهم، مثل مجالس السماع والغناء٣. وكان المتمكنون منهم وعلى رأسهم الملوك يضمخون أجسادهم ورءوسهم بالطيب حتى يقطر منهم٤ فكانت


١ تاج العروس "٩/ ٧٤" "ندم"، اللسان "ندم".
٢ الكامل "١/ ٣٦"، العقد الفريد "٢/ ٢٣ وما بعدها"، تاج العروس "٢/ ٢٦٧"، "ضمخ".
٣ الروض الأنف "٢/ ٦٧".
٤ تاج العروس "٢/ ٢٦٧"، "ضمخ".

<<  <  ج: ص:  >  >>