للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إن الحديث عن العقلية العربية، حديث قديم؛ ففي التوراة شيء عن صفاتهم وأوصافهم، كوّن من علاقات الإسرائيلين بهم، ومن تعاملهم واختلاطهم بالعرب النازلين في فلسطين وطور سيناء أو في البوادي المتصلة بفلسطين. ومن أوصافهم فيها: أنهم متنابذون يغزون بعضهم بعضًا، مقاتلون يقاتلون غيرهم كما يقاتلون بعضهم بعضًا "يده على الكل، ويد الكل عليه"١. يُغِيرُون على القوافل فيسلبونها ويأخذون أصحابها أسرى، يبيعونهم في أسواق النِّخاسَة، أو يسترقّونهم فيتخذونهم خدمًا ورقيقًا يقومون بما يُؤْمَرون به من أعمال، إلى غير ذلك من نعوت وصفات.

والعرب في التوراة، هم الأعراب، أي سكان البوادي، لذلك فإن النعوت الواردة فيها عنهم، هي نعوت لعرب البادية، أي للأعراب، ولم تكن صِلاتهم حسنة بالعبرانيين.

وفي كتب اليونان والرومان والأناجيل، نعوت أيضا نُعِت بها العرب وأوصاف وُصِفوا بها، ولكننا إذا درسنا وقرأنا المواضع التي وردت فيها، نرى أنها مثل التوراة، قصدت بها الأعراب، وقد كانوا يغيرون على حدود إمبراطوريتيّ الرومان واليونان، ويسلبون القوافل، ويأخذون الإتاوات من التجار والمسافرين وأصحاب القوافل للسماح لهم بالمرور.

وقد وصف "ديودورس الصقلي" العرب بأنهم يعشقون الحرية، فيلتحفون السماء. وقد اختاروا الإقامة في أرضين لا أنهار فيها ولا عيون ماء، فلا يستطيع العدو المغامر الذي يريد الإيقاع بهم أن يجد له فيها مأوى. إنهم لا يزرعون حبًّا، ولا يغرسون شجرًا، ولا يشربون خمرًا، ولا يبنون بيوتًا. ومن يخالف العرف يقتل. وهم يعتقدون بالإرادة الحرة، وبالحرية٢. وهو يشارك في ذلك رأي "هيرودوتس" الذي أشاد بحب العرب للحرية، وحفاظهم عليها ومقاومتهم لأية قوة تحاول استرقاقهم واستذلالهم٣؛ فالحرية عند العرب هي من أهم الصفات التي يتصف بها العرب في نظر الكَتَبَة اليونان واللاتين.

وفي كتب الأدب وصف مناظرة، قيل إنها وقعت بين "النعمان بن المنذر"


١ التكوين، الإصحاح السادس عشر، الآية ١٢.
٢ Diodorus, ١٩, ٩٤, ٩٥, Die Araber in der Alten Welt, I, s. ٣١.
٣ Herodotus, vol, I, p. ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>