للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن عادات العرب، أنهم كانوا يبكرون في الغداء، ويرون أن ذلك أقرب إلى راحة البدن وصحته، ويؤخرون العشاء١.

ومآكل الأعراب قليلة شحيحة مثل شح البادية، خاصة إذا انحبس المطر وهلك الزرع. فإن رزقه يقل وقد يذهب ما معه من زاد فيهلك خلق من الأعراب من شدة الجوع. قيل لأعرابي: ما طعامكم؟ قال: "الهبيد، والضباب واليرابيع، والقنافذ والحيات، وربما والله أكلنا القد، واشترينا الجلد، فلا نعلم والله أحدًا أخصب منا عيشا"٢. و"الهبيد" حب الحنظل، تنقعه الأعراب في الماء أيامًا، ثم يطبخ ويؤكل٣. وأما القد، فجلد السخلة. "وفي حديث عمر، رضي الله عنه، كانوا يأكلون القد. يريد جلد السخلة"٤.

وكانوا يفصدون عرق الناقة ليخرج الدم منه فيشرب، يفعلونه أيام الجوع.

كما كانوا يأخذون ذلك الدم ويسخنونه إلى أن يجمد ويقوى فيطعم به الضيف في شدة الزمان، إذا نزل بهم ضيف فلا يكون عندهم ما يقويه، ويشح أن ينحر المضيف راحلته فيفصدها. و"الفصيد" دم كان يوضع في الجاهلية في معي من فصد عرق البعير ويشوى وكان أهل الجاهلية يأكلونه وتطعمه الضيف في الأزمة.

وأما "الفصيدة"، فتمر يعجن ويشاب بدم. وهو دواء يداوى به الصبيان٥.

ويقال للفصيد: "البجة" كذلك. و"البجة" دم الفصيد، يأكلونها في الأزمة. والبج الطعن غير النافذ، فقد كانوا يفصدون عرق البعير ويأخذون الدم يتبلعون به في السنة المجدبة. جاء في الحديث: "إن الله قد أراحكم من الشجة والبجة"، وورد "أراحكم الله من الجبة والسجة"٦. أي قد أنعم عليكم بالتخلص من مذلة الجاهلية وضيقتها ووسع لكم الرزق وأفاء عليكم الأموال.

وكان أحدهم إذا نال شربة من اللبن الممذوق بالماء، وخمس تميرات صغار، ظن نفسه ملكًا، ودب إليه نشاطه، قال الشاعر:


١ بلوغ الأرب "١/ ٣٧١".
٢ رسالة في الحنين إلى الأوطان "٢/ ٣٩٤".
٣ المصدر نفسه.
٤ كذلك.
٥ تاج العروس "٢/ ٤٥٣"، "فصد".
٦ تاج العروس "٢/ ٦"، "بج".

<<  <  ج: ص:  >  >>