للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرضا بالدون من المعيشة وسوء احتمال الفقر واللصوق بالأرض من الفقر والجوع.

فهم ينامون على التراب ويلتحفون السماء. والدوقعة الفقر والذل، وجوع أدقع وديقوع شديد١. وهم مثل "بنو غَبْراء" في الفقر والحاجة، أولئك الذين توسدوا الغبراء واتخذوا التربة فراشًا لهم، لعدم وجود ملجأ لهم يأوون إليه، ولا مكان يحتمون به.

ولم يكن في وسع كثير من الجاهليين الحصول على اللحم لفقرهم فكانوا يأتدمون "الصليب" وهو الودك. ودك العظام. يجمعون العظام ويكسرونها ويطبخونها، ثم يجمعون الودك الذي يخرج منها ليأتدموا به. وقد عرفوا بـ"أصحاب الصلب".

ولما قدم الرسول مكة "أتاه أصحاب الصلب الذي يجمعون العظام إلا لحب عنها لحماتها فيطبخونها بالماء ويستخرجون ودكها ويأتدمون به"٢.

ولم يكن في استطاعة الفقراء أكل الخبز لغلائه بالنسبة لهم. لذلك عدّ أكله من علائم الغنى والمال٣. وكان الذي يطعم الخبز والتمر يعد من السادة الكرام.

وكان أحدهم يفتخر بقوله: "خبزتُ القومَ وتمرتهم"، بمعنى أطعمتهم الخبز والتمر٤. وقد افتخر "بنو العنبر" بسيدهم "عبد الله بن حبيب العنبري"، لأنه كان لا يأكل التمر ولا يرغب في اللبن، بل كان يأكل الخبز. فكانوا إذا افتخروا قالوا: منا آكل الخبز. وكانوا يقولون: "أقرى من آكل الخبز"٥ لأنه كان جوادًا. وذكر أن "كسرى" حين سأل "هوذة بن علي الحنفي" عن غذائه ببلده، قال له هوذة: الخبز. "فقال كسرى: هذا عقل الخبز لا عقل اللبن والتمر"٦.

وكان منهم من لا يستطيع شراء الملابس ليلبسها، فيستر جسمه بالأسمال البالية وبالجلود، ويعيش متضورًا جوعًا. وقد ذكر أن الفقراء من الصحابة كانوا لا يملكون شيئًا، ويتضورون جوعًا، وينامون في صفة المسجد، يرزقهم الرسول


١ تاج العروس "٥/ ٣٣٠"، "دقع".
٢ تاج العروس "١/ ٣٣٧"، "صلب".
٣ بلوغ الأرب "١/ ٨٧".
٤ تاج العروس "٤/ ٣٢"، "خبز".
٥ بلوغ الأرب "١/ ٨٧".
٦ بلوغ الأرب "١/ ٨٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>