للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الوبر بالدم، وذلك من شدة الجوع١. فهذا الفقر وهذه الفاقة وذلك الإملاق، كل ذلك حملهم على وأد البنات حذر الوقوع في الغواية، فتلحق السُّبَّة بأهل البنت وبعشيرتها وقبيلتها. وذكر أيضًا أن من جملة أسباب الوأد وجود نقص في الموؤودة أو مرض أو قبح، كأن تكون زرقاء أو شيماء أو برشاء أو كسحاء وأمثال ذلك، وهي من الصفات التي كان يتشاءم منها العرب٢.

وذكر بعض أهل الأخبار، أن بعض العرب كانوا يتشاءمون من البنت الزرقاء أو الشيماء، أو الكسحاء، فكانوا يئدون من البنات من كانت على هذه الصفة، ويمسكون من لم يكن على هذه الصفة. وذكروا أن والد "سودة بنت زهرة" الكاهنة، وهي عمة "وهب"، والد "آمنة" أم الرسول، أرسل بها إلى "الحجون" لوأدها، للصفة المذكورة، ثم تركها في قصة يروونها، وصارت كاهنة شهيرة٣. فسبب الوأد عند هؤلاء، هو هذه العقيدة القائمة على التشاؤم من البنت الزرقاء والشيماء.

ويذكرون أنهم كانوا يحفرون حفرة، فإذا ولدت الحامل بنتًا ولم يشأ أهلها الاحتفاظ بها رموا بها في الحفرة، أو أنهم كانوا يقولون للأم بأن تهيئ ابنتها للوأد وذلك بتطييبها وتزيينها. فإذا زينت وطيبت، أخذها أبوها إلى حفرة يكون قد احتفرها، فيدفعها فيها، ويهيل عليها التراب حتى تستوي الحفرة بالأرض.

وذكر أيضًا، أن بعضهم كان يغرقها، أو يقوم بذبحها، ليتخلص بهذه الطرق منها٤.

وذكر أن الرجل منهم كان إذا ولدت له بنت، فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية، وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية فيقول لأمها: طيّبيها وزيّنيها حتى أذهب بها إحماتها، وقد حفر لها بئرًا في الصحراء فيبلغ بها البئر، فيقول لها انظري فيها ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب، حتى تستوي البئر بالأرض. وروي عن


١ الكامل "١/ ٢٨٨".
٢ نهاية الأرب "٣/ ١٢٦ وما بعدها"، بلوغ الأرب "٣/ ٤٣".
٣ السيرة الحلبية "١/ ٥٠"، "مطبعة الاستقامة"، "القاهرة ١٩٦٢"، "١/ ٥٣"، "المكتبة التجارية"، "القاهرة"، "باب تزويج عبد الله".
٤ الكشاف "٤/ ١٨٨"، سورة التكوير، تاج العروس "٢/ ٥٢٠"، "وأد"، بلوغ الأرب "٣/ ٤٢ وما بعدها، ٥٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>