للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليمن، فاستعملوا آلات طرب متعددة، أخذوا بعضها من الأعاجم الذين اتصلوا بهم، كما أخذوا من أولئك الأقوام ألوانًا من ألوان الغناء وفنونه. هذا الاختلاف لا بد أن يقع، لاختلاف أهل الوبر وأهل المدر في البيئات، وفي الطباع والعادات.

وللشعر علاقة كبيرة بالغناء. فالغناء هو التغني بالشعر. ولذلك قالوا: تغنى بالشعر، وفلان يتغنى بفلانة إذا صنع فيها شعرًا. وله علاقة بالحداء أيضًا.

قالوا: حدا به، إذا عمل فيه شعرًا١، فالغناء نغم ووزن ويكون لذلك بكلام موزون. وهو الشعر الذي يناسب نغم الغناء. أما النثر، فلا يناسب طبعه طبع الغناء. ويكون بينهما جفاء. إذ لا يستقيم النثر العربي مع الوزن دائمًا. لذلك فلا يمكن للمغني أن يغني به. قال "الجاحظ": العرب تقطع الألحان الموزونة والعجم تمطط الألفاظ فتقبض وتبسط حتى تدخل في الوزن اللحن، فتضع موزونًا على غير موزون٢. وذكر أن الغناء من الصوت ما طرب به٣.

وذكر أهل الأخبار أن الجاهليين كانوا يستمعون إلى القيان. وأن فارس كانت تعد الغناء أدبًا والروم فلسفة. وأن الملوك العرب كانوا يملكون القيان أيضًا.

ومنهم أشراف مكة وعلى رأسهم "عبد الله بن جدعان"٤.

وقد عرف غناء أهل البادية بـ"غناء الأعراب"، وذلك لاختلافه عن غناء الحضر٥.

فكان لأهل الحيرة مزاج في الغناء يختلف عن مزاج أهل البادية، بل حتى عن مزاج غيرهم من الحضر. وذلك للظروف الخاصة التي تحيط بهم، مثل اختلاطهم بالفرس، ووجود النصرانية والمؤثرات اليونانية فيما بينهم. وقد كان في كنائس العباديين نصارى الحيرة، تراتيل وترانيم، وهي بالطبع نوع من الغذاء الروحي، وقد كان عندهم خمر تبعث على الانشراح والانبساط، وأديرة مزدانة بالخضرة والرياحين والأزهار، وفيها ماء طيب وغناء رهبان وراهبات،


١ بلوغ الأرب "١/ ٣٦٩"، تاج العروس "١٠/ ٢٧٢"، "غنى"، اللسان "١٥/ ١٣٥"، "غنى".
٢ بلوغ الأرب "١/ ٣٦٩".
٣ تاج العروس "١٠/ ٢٧٢"، "غنى".
٤ رسائل الجاحظ "٢/ ١٥٨".
٥ نهاية الأرب "٤/ ١٩٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>