للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويفهم من بعض روايات الأخباريين أن من عادة الجاهليين حجز المرأة عند وفاة زوجها في بيت صغير، قد يكون خيمة أو بناء يسمونه "الحفش"، لتقضي فيه مدة العدة. فإذا كانت في هذا البيت، لبست شرّ ثيابها، وامتنعت عن الطيب وعن تزيين نفسها مدة عام١. فإذا انتهت المدة افتضت عدتها "بمس الطيب أو بغيره كقلم الظفر أو نتف الشعر من الوجه أو دلكت جسدها بدابّة أو طير، ليكون ذلك خروجًا عن العدة. أو كان من عادتهم أن تمسح قُبُلها بطائر، وتنبذه فلا يكاد يعيش"٢.

وتصف رواية أخرى دخول المرأة الحفش وخروجها منه على هذه الصورة: "كانت إذا توفي زوجها دخلت حفشًا ولبست شر ثيابها حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة، شاة أو طير فتفتض بها، فقلما تفتض بشيء إلا مات. ثم تخرج فتعطي بعرة ترمى بها". وجاء: و"كانت لا تغتسل ولا تمس ماء ولا تقلم ظفرًا ولا تنتف من وجهها شعرًا، ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر، ثم تفتض بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش"٣.

ومن عادات بعض الجاهليين ضرب القباب على قبور موتاهم أيامًا أو أشهرًا قد تبلغ عامًا، يقيم فيها نساء الميت أو ذوو قرابته، ليجاوروا الميت، وليستقبلوا فيه من يفد لزيارة القبر٤. واعتقادهم بإحساس روح الميت بوجودهم هناك وبمجيئهم إلى القبر لمؤانستهم له هو الذي حملهم، ولا شك، على ضرب هذه القباب وعلى مجاورتهم لتلك الأجداث. ومن هذه القباب المؤقتة ظهرت الأضرحة الثابتة ذات القباب السامقة الشامخة، كما أن من المعابد المتنقلة، أي: الخيام المقدسة، نشأت المعابد الثابتة عند العبرانيين وعند الجاهليين وعند غيرهم من الشعوب.

ومن عادة الجاهليين إسالة دم الذبائح على القبر أو تضريجه بتلك الدماء. فيعقر على قبور الموتى، وعند إهالة التراب على الميت، وقد يعقر على القبر كل عام وفي أثناء المناسبات إذا كان الميت من السادة المشهورين المعروفين بالخصال الحميدة كالشجاعة والكرم. وفي الشعر الجاهلي والأخبار أسماء أناس كانوا من المشاهير في


١ تاج العروس "٤/ ٣٠٠"، اللسان "٨/ ١٧٤ وما بعدها".
٢ تاج العروس "٥/ ٧٠"، صبح الأعشى "١/ ٤٠٣".
٣ تاج العروس "٥/ ٧٠"، نهاية الأرب "٣/ ١٢٠".
٤ Muh. Stud., I, S. ٢٥٧

<<  <  ج: ص:  >  >>