للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي حكامًا حكموا رعيتهم باسم الآلهة، فكان لهم الحكم في الدين وفي تدبر أمور الرعية من الناحية الدنيوية، ثم عافوا هذا المركز وتركوا المعبد، وخصصوا أنفسهم بالنظر في الأمور الدنيوية.

ولما تقدمت وسائل الحروب وتفنن الإنسان في صنع الأسلحة، وفي استذلال الحيوان وتسخيره لنقل محاربيه وأسلحتهم ومواد إعاشتهم، توسعت سلطة كبار الملوك، وتضخمت حدود ممالكهم، فظهرت الملكيات الكبيرة: ظهرت على أنقاض "ممالك القرى" و"ممالك المدن". حيث حكم التاريخ بتسلط الممالك القوية على الممالك الصغيرة، وبأكل القوي منها الضعيف، لأن الحق للأقوى والبقاء للقوي المكافح المناضل المكالب في هذه الحياة تكالب الكلاب فيما بينها، لمجرد شعور كلب قوي بتفوقه على كلب آخر غريب أو كلاب غريبة عنه.

ولعب "المال" دورًا خطيرًا في ظهور "الملوك الكبار" وفي تكوين "الحكومات الملكية الكبيرة"، ونضيف إليه شخصية صاحب المال والطبيعة التي عاش بها، من برودة وحرارة وتبدل في الضغط الجوي، ومن تربة ومعدن ونبات وماء.

فالمال وحده لا يكفي لخلق دول كبرى، وهو لا يدوم إذا لم يقرن بعقل فطن خلاق يعمل على الإيجاد والتكوين وتسخير الطبيعة في خدمته وخلق قوة تكون سندًا له وسدًّا منيعًا يقف حائلًا منيعًا أمام المعتدين. والاستفادة من المال بتشغيله بحكمة وبعلم، وبإيجاد موارد جديدة تحل محل الموارد القديمة إن نفقت.

وقد كان ظهور الحكومات الملكية الكبيرة في الأرضين الغنية بخيراتها ذات الماء الغزير والجو المساعد على العمل. فوسعت رقعتها وطمعت في غيرها فابتلعتها وقوَّت نفسها بخيراتها وعبأت كل قواها لخدمتها، وأخذت تكتسح غيرها وتتوسع وكونت الممالك الكبيرة المشهورة في التاريخ. وقد سمح بعض ملوك الحكومات الكبيرة لملوك الممالك الصغيرة بالاحتفاظ بحمل لقب "ملك"، على أن يكون ذلك مقرونًا باعتراف أولئك الملوك بحماية الملوك الكبار لهم، وبوجوب عدم الخروج على طاعتهم وبلزوم الاشتراك معهم في الحروب إن طلب منهم الاشتراك فيها، وبدفع جزية مرضية لهم. فلم تتمكن الحكومات الصغيرة التي عاش على التجارة والاتجار من العيش بأمن وسلام، إذ طمعت فيها الدول القوية، فأرسلت إليها من يخيرها بين الاستسلام والطاعة أو الهلاك وإحراق الدور وإنزال الدمار. وقد رأينا أمثلة عديدة على ذلك فيما سلف من هذا الكتاب. من ذلك تهديد حكومات العراق

<<  <  ج: ص:  >  >>