للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصر وفي أماكن أخرى من الشرق، قبل أن ينتقل الحكم إلى الملوك، ويتحول إلى حكم زمني، ينصرف فيه الملك إلى الأمور الزمنية لرعيته، تاركًا الشئون الدينية لرجال الدين، حكموا الأرض باسم السماء، وحكموا حكم الساسة والحكام، ونطقوا باسم الآلهة، فحكمهم حكم إلهي مقدس، على أتباعهم ومن يؤمن بهم إطاعتهم، لأنهم ألسنة الآلهة الناطقة على هذه الأرض١.

ويعرف هذا الكاهن الملك بـ"مكرب"، أي: "مقرب". وقد حصلنا من كتابات المسند على أسماء عدد من "المكربين"، غير أن تلك الكتابات خرساء، لم تبح لنا بشيء ما عن أصول حكمهم للمعابد ولإدارة الدولة ولا عن كيفية تلقيهم الأوامر الإلهية التي يطلبون من أتباعهم تنفيذها، هل كانت وحيًا من الآلهة، يحملها إليهم ملائكة مقربون، أو إلهامًا يتجلى في نفوسهم فينطق به المكربون ويبلغونه للناس، أو صوتا يخرج من رَئِيّ أو صنم أو ما شاكل ذلك يسمعه "المكرب" فيفسره للناس على طريقة الكهان؟

وليس في نصوص المسند تعليل ما للدوافع والأسباب التي حملت آخر "مكرب" في كل دولة من الدول العربية الجنوبية على تغيير لقبه القديم، الموروث عن آبائه، واتخاذ لقب له جديد، لقب "ملك"، وهو لقب يشير إلى الحكم الدنيوي فقط، وإلى ابتعاد الملك عن الحكم الديني وتركه لغيره غير أننا نستطيع أن نقول باحتمال تأثر هؤلاء "المكربين" بالمظاهر الخارجية التي كانت عند الدول المعاصرة التي لقبت حكامها بلقب ملك، وهي دول كبيرة ذات جاه واسم وسلطان فأراد أولئك الحكام، حكام حكومات اليمن، التشبه بهم، ومحاكاتهم في المظهر، فغيروا لقبهم، ليظهروا أنفسهم أنهم مثلهم، وأنهم ليسوا أقل شأنًا من أقرانهم الملوك.

ولا يظن أن التغيير الذي حدث فأدى إلى إبدال حكم "المكربين" بحكم الملوك كان تغييرًا قسريًّا، أي: نتيجة انقلاب عسكري أو ثورة، ذلك لأننا نعلم أن آخر مكرب من مكربي سبأ كان هو المكرب "كرب ال وتر" "كرب إيل وتر". وقد كان هذا المكرب أول من افتتح العهد الملكي في سبأ، وأول من حمل لقب "ملك" وذلك يدل على أنه هو الذي اختار اللقب الجديد، واستبدله باللقب القديم.


١ A. Grohmann, S. ١٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>