للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن "المكرب" رجل دين بالمعنى المفهوم من الجملة، أي: عالمًا بأمور الدين فقيهًا بها كرس وقته لها، ومتوليًّا إمامة الناس في صلواتهم وفي أداء الشعائر الدينية للأرباب في معابدها، مقدمًا القرابين بنفسه إليها، بل يرى بعض الباحثين أنه مجرد منصب له صبغته الدينية، وأنه يشبه منصب "الخليفة" في الإسلام، حيث كان الخليفة يعد "أمير المؤمنين" ورئيس المسلمين. ولم يكن مع ذلك أعلم المسلمين بأمور الدين ولا أفقههم بالأحكام، وإنما هو "خليفة الله" في أرضه. وكذلك كان المكربون خلفاء الآلهة على الأرض١.

وقد استتبع انتقال الحكم من "المكربين" إلى الملوك، حدوث تغيير في أصول الحكم. فانقطعت صلة الملك بالمعبد، ولم يعد الرئيس المباشر له ولرجال الدين، وإن بقي الملك حامي الدين والمعبد. لما للمعبد من ارتباط بالدولة ولما للاثنين من مصالح مشتركة مترابطة، إذا اختلت أصاب الأذى الجهتين. وانصرف رئيس المعبد إلى إدارة المعبد وأملاكه الكثيرة الواسعة، وإلى جباية الضرائب الدينية، أي: حقوق الآلهة على الناس. وهي حقوق واجبة مفروضة. وانصرف الملك إلى إدارة الدولة، وجباية حقوقه على شعبه. وإدارة أملاكه الخاصة وأملاك الدولة، التي هي أملاك الملك أيضًا. حيث لم يفرق الملوك بين جيبهم الخاص وبين جيب الدولة. لأن الدولة الملك، والملك الدولة. وبيت المال هو بيت مال واحد، للملك أن يتصرف به كيف شاء.


١ A. Grohmann, S. ١٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>