للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حافظ ملوك العربية الجنوبية، على اختلاف حكوماتهم، على عادة اتخاذ الألقاب الملكية حين تولي العرش. فالرجل الذي يُملك لا بد له من اتخاذ لقب له، يعرف به. وقد بقوا يحافظون على هذه العادة إلى ما بعد الميلاد. ثم أخذوا يتساهلون في حمل هذه الألقاب ولا سيما بعد تدخل الحبش في شئون العربية الجنوبية ودخول اليهودية والنصرانية إليها. وقد كان فراعنة مصر يتخذون لهم لقبًا ملكيًّا عند توليهم العرش. ونجد هذه العادة، عادة اتخاذ ألقاب ملكية خاصة، عند ملوك آشور وعند غيرهم من الملوك، ليتميزوا بذلك عن أسماء الناس١. ولهذه الألقاب صلة بالآلهة التي كانوا يعبدون.

ومعارفنا في "مراسيم التتويج" مع ذلك ضئيلة جدًّا، ولا سيما ما يخص العرب الشماليين، فلا نعرف اليوم شيئًا يستحق الذكر عن كيفية التتويج وعن المراسيم والحفلات التي كانت تقام عندهم في هذه المناسبات. ولم نعثر حتى اليوم على نص جاهلي يصف أسلوب التتويج وكيفية إجراء المراسيم الخاصة بالتتويج عند الجاهليين عامة. فلا ندري أكانت تلك المراسيم تتم في المعابد وبرئاسة رجال الدين كما كانت الحال عند الأشوريين وعند غيرهم مثلًا، حيث يقوم رجل الدين الأكبر بإجراء الطقوس الدينية وبتلاوة الصلوات والأدعية، ثم يقوم بعد ذلك بوضع التاج على رأس الملك، وأمام تمثال الإله: "آشور". أم كانت تلك المراسيم تتم في القصور الملكية، أم كانت تجري بسذاجة وبغير تكلف، بأن يأتي سادات القوم لتهنئة الملك، ثم تقام المآدب.

ويظهر من أخبار أهل الأخبار أن عادة اتخاذ الألقاب الملكية لم تكن معروفة عند ملوك الحيرة والغساسنة وملوك كندة وأمثالهم ممن وعت أسماءهم ذاكرتهم، بدليل ورود أسمائهم ساذجة لا تختلف عن تسميات الناس بشيء ليس فيها نعوت ولا صلة بالآلهة على نحو ما نجده في العربية الجنوبية عند المعينيين والسبئيين والقتبانيين، وغيرهم من حكومات ظهرت هناك.

ولم تصل إلينا أخبار في وصف كيفية احتفال ملوك الحيرة أو الغساسنة عند تتويجهم، أو عند وفاة ملوكهم وكيفية دفنهم، ثم كيفية تنصيب خلفائهم من بعدهم. ولا بد بالطبع من أن تكون تلك الحكومات قد احتفلت في هذه المناسبات،


١ Roland de Vaux, Anciuent Israel, P. ١٠٧

<<  <  ج: ص:  >  >>