للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن يكون ملوكها قد جلسوا لتقبل التهاني من المهنئين، وأن يكونوا قد أولموا الولائم لكبار الوافدين عليهم. ونجد في أخبار "مكة" أن سادتها مثل "عبد المطلب"، كانوا يقصدون ملوك اليمن عند انتقال العرش إليهم لتهنئتهم ولتقديم التبريكات لهم. ثم يمضون أيامًا هناك حتى تنتهي أيام التهنئة، فيغدق الملك عليهم بالألطاف والطرف، لمناسبة عودتهم إلى ديارهم. وتكون هذه الألطاف من دواعي الفخر عندهم.

ولا نعرف شيئًا عن رسوم "البيعة" عند الجاهليين. وأعني بالبيعة كيفية مبايعة الملوك عند انتقال الملك إليهم. ولكن المألوف بين العرب أن كبار الناس يبايعون الملوك، بوضع أيديهم اليمنى على يد الملك اليمنى، ثم يبايعونه على الإخلاص له والسمع والطاعة وما شاكل ذلك من جمل وعبارات. وقد يقسمون له يمين الطاعة والولاء. وقد ورد في بيعة الناس لرسول الله يوم فتح مكة، ما قد يشرح لنا أصول البيعة في الحجاز. فقد ذكر أن الناس اجتمعوا، فجلس لهم رسول الله على الصفا وعمر بن الخطاب تحت رسول الله، أسفل من مجلسه يأخذ على الناس. فبايعوا رسول الله على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، وكذلك كانت بيعتهم لمن بايع رسول الله من الناس على الإسلام. فلما فرغ رسول الله من بيعة الرجال بايع النساء، واجتمع إليه نساء من نساء قريش، وكانوا قد وضعوا إناء فيه ماء بين يدي رسول الله، فإذا أخذ عليهن العهد وأعطينه غمس يده في الإناء، ثم أخرجها، فغمس النساء أيديهن فيه. وكان بعد ذلك يأخذ عليهن، فإذا أعطينه ما شرط عليهن، قال: اذهبن فقد بايعتكن، لا يزيد على ذلك. وتكون هذه البيعة بغير ماء١.

وتكون المبايعة بمبايعة السادات والأشراف للملك أو لسيد القبيلة. والمبايعة هي المعاقدة والمعاهدة على الطاعة. وبايعه عليه مبايعة عاهده. كأن كل واحد منهما باع ما عنده لصاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره٢. ويبدأ أقرب الناس من الملك بمبايعته ثم الأبعد فالأبعد حسب الوجاهة والمكانة. ولا بد وأن يكون للشعراء والخطباء المكان الأول في "البيعة"، فالبيعة هي من المناسبات التي


١ الطبري "٣/ ٦١ وما بعدها".
٢ تاج العروس "٥/ ٢٨٥"، "باع".

<<  <  ج: ص:  >  >>