للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حازمًا مهيبًا رفع مكانة القبيلة، وصيّر لها منزلة بين القبائل، وقد يفرض إرادتها على القبائل الأخرى. أما إذا كان ضعيفًا فاتر الهمة باردًا بليدًا، طمع فيه الطامعون، وقد يكون سببًا في تشتت كلمة القبيلة وفي تجزئتها وهبوط مكانتها بين القبائل. فالرئيس هو الذي يخلق القبيلة ويعز مكانتها، وهذا هو سر ظهور قبائل كبيرة بصورة مفاجئة، ثم اختفاء أمرها وهبوط منزلتها بعد أمد. وسر ذلك أن الذي يرفع من شأن القبائل أو يخفض من منزلتها هو "سيد القبيلة"، فهو روحها، وهو الذي يمنحها إكسير الحياة.

وليس حكم سيد القبيلة، حكمًا مطلقًا، لا مشورة فيه ولا أخذ رأي، بل الحكم في القبائل حكمًا مستمدًا من رأي وجهاء القبائل وعقلائها وفرسانها وألسنتها المتبينة، فهو حكم "ملأ القبيلة". وقد يكون بيت رئيس القبيلة، هو مجلسها وموضع حكمها. وإذا حدث حادث اجتمع عقلاء القوم في مجلس الرئيس وتباحثوا في الأمر. ويقال لمجلس القبيلة "عهرو" "ع هـ ر و" في اللهجة القتبانية١، يعقد للنظر فيما يقع للقبيلة من أمر جليل، مثل فرض ضرائب أو زيادتها، أو إعلان حرب، أو ما شاكل ذلك من أمور.

ونجد مثل هذه المجالس عند جميع القبائل. فإذا حدث للقبيلة حادث، تجمع سادتها للتباحث في الأمر، ولاتخاذ ما يرون اتخاذه من رأي. ولما كانت القبيلة منتشرة لا تستقر في واحد، صارت مضارب سادات الأحياء أندية تلك الأحياء، يجتمع فيها وجوه المضرب للسمر وللبت فيما قد يقع بين الحي من خلاف. وبهذه الطريقة يفصل في الخصومات وفي كل ما يحدث للحي من أمر.

ويروي أهل الأخبار شعرًا زعموا أن "لقيطًا الإيادي"، قاله في كيفية الحكم وسياسة الرعية، فيه هذه الأبيات:

فَقَلِّدوا أَمرَكُمُ لِلَّهِ دَرُّكُمُ ... رَحبَ الذِراعِ بِأَمرِ الحَربِ مُضطَلِعا

لا مُترِفاً إِن رَخاءُ العَيشِ ساعَدَهُ ... وَلا إِذا عَضَّ مَكروهٌ بِهِ خَشَعا

ما زَالَ يَحلُبُ دَرَّ الدَهرِ أَشطُرَهُ ... يَكونُ مُتَّبِعًا طَورًا ومُتَّبَعا

حَتّى اِستَمَرَّت عَلى شَزرٍ مَريرَتُهُ ... مُستَحكِمَ السِنِّ لا قَحمًا وَلا ضَرَعا٢


١ Katab. Texte.. I, S. ٧٨, Anm. ٣, S. ٧٩, Handb
٢ نهاية الأرب "٦/ ١٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>