للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتفعل هذه الأحياء عندئذ ما تفعله القبائل، تلجأ إلى حلفائها، أو تجدد أحلافها، أو تعقد حلفًا جديدًا لتدافع به عن مصالحها، كالذي كان من أمر "حلف المطيبين" وما كان من أمر "الأحلاف"، أو من "حلف الفضول".

أما ما يعلق بأمر المدينة كلها، كأمر مكة مثلًا، من أمور تتعلق بأحوال السلم أو الحرب، فيترك النظر في ذلك إلى "الملإ" "ملأ مكة" مثلًا. وهم وجوه مكة وسادتها من كل الأسر، فيجتمعون في "دار الندوة" أو في دور الرؤساء للنظر في القضايا والبت فيها. فيبين الرؤساء آراءهم ويتناقشون فيها، فإذا اتفقوا على شيء ألزموا أنفسهم تنفيذه، وإن لم يتفقوا على شيء، وكان النزاع بين المجتمعين حادًّا، حاول كل فريق تأليف جبهة قوية لمقابلة الجبهة المعارضة، ولمنعها من الاعتداء عليها، وقد يعمد المتخاصمون إلى مقاطعة بعضهم بعضا، مقاطعة اقتصادية واجتماعية، كالذي حدث من مقاطعة أغلب قريش لآل هاشم وآل المطلب، بسبب تمسك أبي طالب بأن أخيه الرسول ودفاعه عنه. فما كان من بقية قريش إلا أن قررت مقاطعة "أبي طالب" ومن آزروه وانضم إليه.

ونجد في مكة نوعًا من التخصص في الأمور. والظاهر أن ذلك إنما كان عن استئثار بعض الرجال البارزين بعمل من الأعمال، ثم انتقل ذلك منه إلى ورثتهم بالإرث أو بالاتفاق أو بالنص، ثم صار سنة اتفق عليها، كالذي ورد من أمر "الرفادة" وهي ما كانت تخرجه قريش من أموالها وترفد به منقطع الحاج١.

وقد عرف "الرفادة" أنها شيء كانت قريش تترافد به في الجاهلية، فيخرج كل إنسان مالًَا بقدر طاقته، يجمعون من ذلك مالًا عظيمًا أيام الموسم، فيشترون به للحاج الجزر والطعام والزبيب للنبيذ، فلا يزالونه يطعمون الناس حتى تنقضي أيام موسم الحج. وكانت الرفادة لبني هاشم. وذكر أن أول من قام بالرفادة "هاشم بن عبد مناف" وسمي هاشمًا لهشمه الثريد٢.

وكالذي ورد من أمر "السقاية"، سقاية الحاج. وقد عرفت أنها مأثرة من مآثر قريش في الجاهلية. وهي ما كانت قريش تسقيه الحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء، وكان يليها "العباس بن عبد المطلب" في الجاهلية والإسلام٣.


١ العقد الفريد "٣/ ٣١٣ وما بعدها".
٢ اللسان "ث/ ر/ د"، "٣/ ١٨١"، تاج العروس "٢/ ٣٥٥"، "رفد".
٣ اللسان "س/ ق/ ي"، "١٤/ ٣٩٢"، تاج العروس "١٠/ ١٨١"، "سقى".

<<  <  ج: ص:  >  >>