للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل الملح. وكان الملوك يقطعون أملاك الدولة لمن شاءوا، كما فعل المعبد ذلك، إذ كان يقطع الأرض المحبوسة باسمه لمن يشاء من الناس.

وقد كانت العادة في اليمن جارية بإقطاع المعادن والمياه لأصحاب السلطان، كأن يقطع "الملح" لشخص ليستغله، فيشغل من يريد في استخراجه وبيعه.

وقد وردت في الكتابات الجاهلية إشارات إلى استغلال معادن الملح، وإلى إقطاعها الأشخاص يستخرجون الملح منها في مقابل أجر يدفع عن ذلك الإقطاع. وقد بقيت هذه العادة إلى الإسلام، فقد ورد في كتب الحديث: أن "الأبيض بن حمال" استقطع رسول الله ملح مأرب، فأقطعه١. ولما ذكر "الأقرع بن حابس" للرسول أنه قد ورد ذلك الملح ورآه، وأنه مثل الماء العد بالأرض، من ورده أخذه، وإن إقطاعه له يمنع الناس من وروده، فاعتدَّهُ الرسول صدقة، وجعله مثل الماء العِدّ٢.

والإقطاع يكون تمليكًا وغير تمليك. فإذا كان تمليكًا، صار له ليس لأحد حق مزاحمته عليه ولا استثماره، ويكون عندئذ ملكه. وله حق تأجيره لغيره أو إعطائه في مقابل حق يعينه في الحاصل والناتج. وقد كان الملوك في العربية الجنوبية يقطعون أصحاب الجاه والسلطان وسادات القبائل الإقطاعات، فتولد من هذا الإقطاع كبار أصحاب الأرض، وصار لهم سلطان واسع بحكم ما حصلوا عليه من مال وقوة وجاه. حتى صاروا يتدخلون في شئون الدولة الداخلية.

وأما الإقطاع الثاني، وهو إقطاع من غير تمليك فإنه إقطاع لأمد قد يحدد بزمن، وقد لا يحدد بزمن، وذلك بشروط تثبت وتحدد في عقد الاتفاق، كأن يتفق على أن يقدم من يقطع له الإقطاع ثلث الحاصل أو الغلة أو الربع أو ما شابه ذلك، أو أن يقدم مبلغًا مقطوعًا أو عينًا يذكر ويثبت مقداره، أو خدمة معينة للدولة أو للمعبد الإقطاعي صاحب الملك، مثل تقديم عدد معين من المحاربين وقت الطلب ومقدار معين من مال أو عين.

وقد لا يستغل الإقطاعي إقطاعياته، وإنما يقوم بإقطاعها للإقطاعيين الصغار، أو يؤجرها لمن هم دونهم في المكانة ليقوموا هم باستغلال ما استأجروه، وقد


١ الأحكام السلطانية "١٩٧"، اللسان "٨/ ٢٨١".
٢ الأحكام السلطانية "ص١٩٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>