للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحمى الأرض التي تحمى من الناس فلا يرعى فيها إلا بموافقة من حماها.

وقد جعله بعضهم: "موضع فيه كلأ يحمى من الناس أن يُرعى". وذكروا أنه "كان الشريف من العرب في الجاهلية إذا نزل بلدًا في عشيرته استعوى كلبًا فحمى لخاصته مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره، فلم يرعه معه أحد. وكان شريك القوم في سائر المراتع حوله"١.

ويظهر من غربلة ما ورد في الأخبار عن "الحمى"، أنه كان على نوعين: حمى دائم أو طويل الأجل، وهو الأرض المخصبة الجيدة المنبتة التي تتوفر فيها المياه، أو تكون المياه فيها قريبة من سطح الأرض، فينتقيها كبار سادات القبائل ويجعلونها حمى دائمًا لهم ولأسرتهم، وقد يحولونه إلى ملك لهم، يتوارث توارث الإرث، ويكون لمن هو من الأسرة التي حمته، أو لمن خصص الحمى باسمه.

ومن هذا القبيل "حمى ضرية"، مرعى لإبل الملوك٢، ومراعي الملوك الأخرى.

وحمى آخر، يكون قصير الأجل بالنسبة للحمى الأول. فقد يحمى لموسم وقد يحمى لمواسم، فأجله مرتبط بأجل الغيث الذي ينزل عليه. فإذا جاد ووصل الأرض وأنبتها نباتًا حسنًا وكساها بساطًا أخضر، بقي حامي الحمى به، وإن انحبس المطر عنه، وجفَّ كل شيء به، ورفع ذلك البساط عنه، وظهرت عبوسة الرمال والتربة المتهشمة من تحته، فقد يهرب حاميه منه ليفتش عن أرض أخرى يعيش عليها، فيصير الحمى عندئذ بلا حام، إلا إذا عاد الغيث إليه، وعاد صاحبه ليجدد عهده به، وليثبت حق حمايته عليه، وإلا، فقد يصيره في حماية شخص آخر قد ينزل به قبله، ويكون لديه من القوة والمنعة ما لا يستطيع أحد من زعزعته عنه.

ولا بد وأن تحدد حدود الحمى، وأن تثبت له أنصاب وعلامات، حتى يكون الناس على بينة من حدوده فلا يدخلونه. ونجد في الكتب التي دونها الرسول للوفود التي زارته، والتي حمى لها أحمية، حدودًا ومعالم دونت أسماؤها فيها، وقد تثبتت مساحتها في بعض الكتب، مما يدل على أن ما يرويه أهل الأخبار من


١ اللسان "١٤/ ١٩٩"، "حما"، تاج العروس "١٠/ ٩٩ وما بعدها" "حما"، الأم، للشافعي "٣/ ٢٧٠"، السمهودي، وفاء "٢/ ٢٢٤".
٢ اللسان "١٤/ ١٩٩"، "حما"، تاج العروس "١٠/ ١٠٠"، "حما".

<<  <  ج: ص:  >  >>