للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعلومات عنها، ومن حلّ رموز بعض كتاباتهم مثل الكتابات الثمودية. وقد اتّضح أن بعض هذه الأقوام أو أكثرها قد عاشوا بعد المسح ولم يكونوا مُمْعِنِين في القدم على نحو ما تصوّر الرواة. ولعلّ هذا كان السبب في رسوخ أسمائهم في مَخِيلة الأخباريين.

وأبدأ الآن بالتحدث عن "عاد":

عاد: وإذا جارينا الأخباريين، وسرنا على طريقتهم في ترتيب الشعوب العربية، وجب علينا تقديم طسم وعمليق وأميم وأمثالهم على عاد وثمود، لأنهم من أبناء "لاوذ بن سام" شقيق "إرم"، وعاد وثمود من حَفَدة "إرم بن سام". ولكن الأخباريين يقدمون عادًا على غيرهم، ويبدءون بهم، وهم عندهم أقدم هذه الأقوام، ويضربون بهم المثل في القدم١. ومثلهم في ذلك مثل أخباريي العبرانيين الذين عدّوا العمالقة أول الشعوب٢. ولعلّ هذه النظرية تكوّنت عند الجاهليين من قدم عاد، أو من ورود اسم عاد في القرآن الكريم في سورة الفجر٣ ثم مجيء اسم "ثمود" بعد ذلك. ولهذا صاروا إذا ذكروا "عادا" ذكروا "ثمودا" بعدها في الترتيب. فلورودهما في القرآن الكريم قدما على بقية الأقوام.

وقد أورد "الطبري" ملاحظة مهمة عن قوم "عاد" وعن رأي أهل الكتاب فيهم؛ إذ قال: "فأما أهل التوراة، فإنهم يزعمون أن لا ذكر لعاد ولا ثمود ولا لهود وصالح في التوراة، وأمرهم عند العرب في الشهرة في الجاهلية، والإسلام كشهرة إبراهيم وقومه٤". ويظهر من ذلك أن المسلمين حينما راجعوا اليهود يسألونهم علمهم عن عاد وأمثالهم، أخبروهم بعدم وجود ذكرهم في التوراة. والواقع أن التوراة لا علم لها فيهم. فأحاديث عاد وثمود وهود وصالح إنما هي أحاديث عربية، تحدث بها الجاهليون، وليس لها ذكر في كتب يهود، ولكن أهل الأخبار ربطوا مع ذلك بينها وبين التوراة، وأوجدوا لها صلةً ونسبًا


١ ومنهم من رأى أنهم أبناء "إرم" اللسان "١٤/ ٢٨٠".
٢ التكوين، الإصحاح الرابع والعشرون، آية ٢٠، قاموس الكتاب المقدس "٢/ ١١٣" hastings, p,,٢٤.
٣ سورة الفجر، رقم ٨٩، الآية ٦ فما بعدها.
٤ الطبري "١/ ٢٣٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>