للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرفهم وسنتهم، وأريد بالأحكام "قوانينهم" التي وضعوها وساروا عليها في تثبيت المحظور أو المباح، أي: الحرام والحلال.

وكلامنا في الفقه الجاهلي هو كلام لم نستنبطه من "قوانين" أو من مدونات قانونية Codex Juris أو من كتب في فقه الجاهليين، أو من تعليمات جاهلية مدونة، وإنما أخذناه في الغالب من الألفاظ الفقهية التي تعبر عن آراء قانونية وردت في كتب الفقه والحديث والتفسير، وما شاكل ذلك من موارد إسلامية، ومن أقوال وأحكام نسبها أهل الإسلام إلى رجال من أهل الجاهلية، فيها قواعد فقهية. ومن بعض أوامر وأحكام أصدرها ملوك العرب الجنوبيون قبل الإسلام في تنظيم التجارة وفي كيفية جباية الأموال. وسبب عدم أخذنا من موارد فقهية جاهلية هو عدم وصول مدوّنات قانونية إلينا حتى الآن، فليست لدينا ويا للأسف مدونات مثل: "قوانين حمورابي" أو "مدونة جوستنيان"، أو مثل ما كتبه "ديودورس" في الشريعة المصرية١. فما نكتبه في التشريع الجاهلي، مستمد مما ذكرته ومن أوامر وإرادات ملكية وأحكام وردت في المسند في نواحٍ خاصة من نواحي التشريع, مثل: كيفية جباية الضرائب عن الأرض أو التجارة، أو نواح معينة من البيوع والقتل وغير ذلك. فهي خاصة بحالة معينة من حالات التشريع، لا قوانين عامة على نحو ما نفهمه من القوانين.

ولما كانت القوانين وليدة الظروف والحاجات اختلف التشريع في أيام الجاهلية باختلاف القبائل والأماكن، وطبيعة البيئة. فأهل اليمن بنظام حكمهم المستقر، وبحكوماتهم التي كانت تهيمن على مناطق واسعة كانوا يختلفون في أصول تشريعهم عن أهل مكة أو أهل يثرب. وكل من هؤلاء هم قُطّان مدن، وحكمهم هو حكم مدن قائم على أساس آراء رؤساء الأحياء والشعاب، ثم إن حكم هؤلاء، يختلف أيضًا عن حكم القبيلة والعشيرة، أعني حكم الأعراب.

ولعدم وجود حكومات منظمة قوية في معظم أنحاء جزيرة العرب، لا يمكن تصور وجود هيئات قضائية ومؤسسات حكومية ذوات قوانين مدوّنة، للفصل في الخصومات، ولإنزال العقوبات الجزائية الرادعة في المخالفين، على نحو ما نراه في حكومات هذا اليوم، كما أننا في شك من وجود نصوص قانونية مدونة في


١ Grohmann, Arabien, S. ١٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>