للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدرجات. ودية سيد قبيلة قوية هي أكثر من دية سيد قبيلة ضعيفة، ودية رجل من سواد قبيلة قوية هي ضعف دية رجل من درجته ومنزلته في قبيلة ضعيفة.

وسبب هذا التباين في الحق هو أن مفهوم الحق عند الجاهليين كان يقوم على أساس الاعتبارين المذكورين: مكانة المرء ودرجة القبيلة.

ولا يقتصر أصل تفاوت الحق هذا على "الديات", أي: على التعويض عن الضرر فقط، بل أقر التشريع الجاهلي رأي "التفاوت في الحق" في كل الحقوق الأخرى، مثل: حقوق الغنائم التي يحصل عليها المنتصرون من الغزو أو الحرب.

فأعطت الملك حقوقًا خاصة في الغنائم، ووضعت لسادات القبائل أنصبة معينة فيما يقع في أيدي أفراد القبيلة من غنائم، بأن جعلت لهم: النشيطة, وهي ما أصيب من الغنيمة قبل أن يصير إلى مجتمع الحي، والصفايا, وهي ما يصطفيه الرئيس، والفضول, وهو ما عجز أن يقسم لقلته فيخصص بسيد القبيلة، والمرباع, وهو حق سيد القبيلة في أخذ ربع الغنائم. وقد جمعت هذه الحقوق في هذا البيت:

لك المرباع منا والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول١

وأعطى التشريع الجاهلي الملوك وسادات القبائل والأشراف حق "الحمى"، لا يشاركهم فيه مشارك ولا يرعاه أحد غيرهم. بل يكون صاحب الحمى شريك القوم في سائر المراتع حوله٢.

وأخذت شرائع الجاهليين بمبدأ أن الإنسان: إما حر وإما عبد, أي: رقيق مملوك، والرقيق هو ملك سيده، ولذلك، فإن ما يكون له أو ما يكون عليه يختلف في القوانين عما يكون للأحرار من حقوق وأحكام.

وهو مبدأ لم يكن خاصًّا بالجاهليين وحدهم، ولكن كان عامًّا في ذلك الزمن أخذت به جميع الأمم. وقد نُصَّ عليه في القوانين الرومانية واليونانية وفي الشريعة اليهودية. والعبد، هو كما قلت ملك صاحبه، وهو "ملك يمين"، إلا أن يمنّ عليه بالحرية, فيكون حرًّا. أما إذا بقي عبدًا في ملك صاحبه, فإن نسله يكونون عبيدًا بالولادة أيضًا. والعبدة، أي: المملوكة تكون ملكًا لسيدها، يتصرف


١ لسان العرب "٩/ ٤٥٧"، تاج العروس "٥/ ٢٣٢".
٢ تاج العروس "١٠/ ٩٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>