للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تكون هذه العقوبة عقوبة جاهلية، أقرها الإسلام في جملة ما أقر من أحكام كان يسير عليها الجاهليون.

وقد كان الزنا معروفًا في الجاهلية يفعله الرجال علنًا، إذ لم يكن هذا النوع من الزنا محرمًا عندهم. وإذا ولد مولود من الزنا وألحقه الزاني بنفسه، عدّ ابنًا شرعيًّا له، له الحقوق التي تكون للأبناء من الزواج المعقود بعقد، ولا يعد الزنا نقصًا بالنسبة للرجل ولا يعاب عليه؛ لأن الرجل رجل، ومن حق الرجال الاتصال بالنساء، وقد كانوا يفتخرون به.

وذكر أن أول من حكم أن الولد للفراش في الجاهلية أكثم بن صيفي حكيم العرب، ثم جاء الإسلام بتقريره. فقد ورد في الحديث: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"١.

ويذكر أهل الأخبار أن الرجم لم يكن معروفًا بين الجاهليين، وأن أول من رجم "ربيع بن حدان" ثم جاء الإسلام بتقريره في المحصن٢.

ولا يوجد لدينا رأي واضح عن قذف الرجل زوجته واتهامه إياها بالزنا. أما في الإسلام فقد شرع "الملاعنة" والإمام يلاعن بينهما، ويبدأ بالرجل، ثم يثني بالمرأة. فإذا تمّ التلاعن بانت منه ولم تحل له أبدًا، وإن كانت حاملًا فجاءت بولد، فهو ولدها ولا يلحق بالزوج٣.

والزنا الذي يعاقب عليه الجاهليون، هو زنا المرأة المحصنة من رجل غريب بغير علم زوجها، وهو خيانة وغدر. أما زنا الإماء. فلا يعدّ عيبًا إذا كان بعلم مالكهن وبأمره. وقد مر الكلام عليه في مواضع من هذا الفصل، كما مرّ الكلام على بنوة المولود من الزنا. لذلك عيّرت المرأة الحرة المحصنة، إن زنت ومست به.

وورد في كتب الحديث والسير، أن "طفيل بن عمرو بن طريف" الدوسي: لما جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأسلم، قال: "إن دوسًا غلب عليها الزنا والربا،


١ صبح الأعشى "١/ ٤٣٥"، المفردات، للراغب الأصبهاني "٢١٤"، البخاري "الحديث رقم ٨٣"، كتاب الجنائز، رجم المحصن، إرشاد الساري، للقسطلاني "١٠/ ١١"، اللسان "٦/ ٢٩٠"، صحيح مسلم "٤/ ١٧١ وما بعدها".
٢ صبح الأعشى "١/ ٤٣٥".
٣ تاج العروس "٩/ ٣٣٥"، "لعن".

<<  <  ج: ص:  >  >>