للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حمورابي"، بل نجده في قوانين الرومان كذلك١. وقد أشير إليه في القرآن الكريم: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ٢ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ٣ وفي الآية: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ٤. فالجزاء يجب أن يكون من جنس العمل.

ويعمل بالقصاص في الجروح كذلك، وقد أشير إلى ذلك في الآية المتقدمة كما ترى.

وتكون العقوبات في يد الملك أو المعبد أو الكبراء ورؤساء العشائر، فهؤلاء هم الذين يفرضون العقوبات على المخالفين ويصدرون أوامرهم بعقاب المستحقين، فلم تكن هناك إذن سلطة مركزية واحدة تقوم بتنفيذ الأحكام والحكم بين الناس. ويمكن أن نقول: إن كل سلطة من السلطات كانت تقوم بتطبيق ما تراه بحق المخالفين لقوانينها وأنظمتها وأوامرها، فللمعبد ويمثله رجال الدين بالطبع حق الحكم بين الناس في المخالفات التي لها صلة بأمور الدين وبالمعبد وبالعقود التي تعقد مع المستأجرين والمتعاقدين، ويتوقف تنفيذ ذلك بالطبع على مركز رجال الدين ومدى نفوذهم في ذلك العهد، ويقوم رئيس القبيلة بالحكم بين أفراد قبيلته بموجب الأنظمة والقوانين العرفية والعشائرية، ويجمع الضرائب من قبيلته، ويتوقف سلطانه على شخصيته ومركزه وعلى مراكز الحكومة وما لها من هيبة في نفوس الناس والقبائل.

ولضمان تنفيذ القوانين والأوامر والعقود، حتّمت السلطات الدينية والسلطات الحكومية على المؤمنين والمواطنين الالتزام والوفاء بالعهود وإطاعة قوانين الدولة وهددت السلطات الدينية بإنزال العقوبات الإلهية على المخالفين. وتكون هذه العقوبات عقوبات دنيوية تنزلها السلطات الدينية الممثلة والمتكلمة باسم الآلهة على سطح الأرض. وهي متنوعة متعددة قد تكون جسيمة، وقد تكون مادية، وقد تكون معنوية، وذلك بحرمان المخالف من زيارة المعابد، وبامتناع رجال الدين من إقامة الشعائر الدينية له ومقاطعته وإيصاء المجتمع المؤمن بمقاطعته كذلك، وبذلك تهبط منزلته


١ Hastings, P.١٦٧
٢ البقرة، ١٧٩.
٣ المائدة، ٤٥.
٤ النحل، ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>