للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشياء مادية، هي كواكب ونجوم، يستدل منها على وجود عبادة الأجرام السماوية عند الجاهليين. وهناك أسماء، هي نعوت في الواقع، لا تدل على ظواهر حسية وإنما تعبر عن أمور معنوية، مثل "ود" بمعنى "حب" و"رضى" و"سعد"، و"حكم"، و"نهي" و"صدق"، و"رحمن"، و"رحم" "ها - رحم" "الرحيم"، و"سمع"، "سميع"، و"محرمم" "محرم"، وأمثال ذلك من ألفاظ، هي نعوت، جرت بين الناس مجرى الأسماء. وعلى هذه الصفات الأسماء سيكون جل اعتمادنا في استنباط الصورة التي نريد تكوينها عن طبيعة آلهة العرب الجنوبيين.

وعلينا أن نضيف على ما تقدم الأعلام المركبة المضافة للأشخاص، مثل "عبد ود"، و"عبد مناف"، و"عبد شمس"، و"عبد يغوث"، و"أمت العزى" "أمة العزى"، فالكلمات الثانية من الاسم، أسماء أصنام. وفي تركيب الاسم على هذا النحو، دلالة على تذلل الإنسان تجاه ربه، واعتبار نفسه عبدًا له، وفيه تعبير عن صلة الأشخاص بربهم، أضف إليها الأعلام المركبة تركيبًا إخباريًّا، مثل "ودم أبم"، أي "ود أب" أو "أب ود"، ففي هذا التركيب دلالة على حنو الإله على المؤمنين به، وإشفاقه عليهم، إشفاق الأب على أولاده.

ودراسة الأمور المذكورة، هي مصدر مهم، بل هي تكاد في هذا اليوم أن تكون المصدر الوحيد لفهم ذات الآلهة وإدراك شخصيتها، ولفهم تطور الدين على مر العصور والأجيال، وكيف تطور الدين عند الجاهليين إلى يوم ظهور الإسلام.

هذا؛ ونجد في النصوص العربية الجنوبية المتأخرة، أسماء آلهة لا نجد لها موضعًا في النصوص العربية الجنوبية المتقدمة، واختفاء لأسماء الآلهة القديمة التي كانت لامعة ساطعة في سماء الألوهية عند العرب الجنوبيين قبل الميلاد. ونجد أسماء آلهة قبائل تعبد عند قبائل أخرى مع معبوداتها القديمة، وأسماء آلهة كانت لامعة شهيرة، تحولت إلى آلهة صغيرة. وفي كل هذه الملاحظات دلالة على حدوث تطور في الحياة الدينية عند الجاهليين، وعلى تأثر العقائد بمؤثرات داخلية وخارجية، فأحدثت هذا التطور الذي نبحث عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>