للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن "الطبري" يشير في تفسيره إلى أنه كان بيتًا بالمشلل١، وهو كلام منطقي معقول؛ إذ لا يعقل أن يكون هذا الصنم، مجرد صخرة أو صنم قائم في العراء تعبث به الرياح والشمس، ثم إن له سدنة، ولا يعقل أن تكون لصنم سدنة، ثم لا يكون له بيت يؤويه. ولست أستبعد أن يكون له، "جب" يلقي المؤمنون فيه هداياهم ونذورهم. وذكر "الطبري" أيضًا أن معبده كان بـ"قديد". وأما عبدته، فخزاعة، وبنو كعب٢.

والأخباريون على خلاف فيما بينهم على هيئة "مناة" وشكله، منهم من يقول إن مناة صخرة، سميت بذلك لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها، أي تراق٣. ومنهم من يقول إنه صنم كان منصوبًا على ساحل البحر، فهو على هيئة ومثال، وقد نحت من حجارة٤، وجعله بعض الرواة في الكعبة مع بقية الأصنام٥.

والذين يذكرون أن مناة صخرة، يرون أن الناس كانوا يذبحون عندها فتمنى دماء النساء عندها، أي تراق، فهي إذن، وبهذا الوصف مذبح تراق عنده الذبائح التي تقدم نسيكة للإلهة. ويذكرون أنهم إنما كانوا يفعلون ذلك "كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركًا بها"٦. ويتبين من ذلك أن هذا الموضع كان مكانًا مقدسًا، وقد خصص بإله ينشر السحب ويرسل الرياح فتأتي بالأمطار لتغيث الناس، وأن لهذا الإله صلة بالبحر وبالماء، ولذلك أقيم معبده على ساحل البحر٧. وقد تكون هذه الصخرة مذبحًا أقيم عند الصنم، أو عند معبده لتذبح عليه ما يهل للصنم، فسمي باسمه، ولذلك يمكن التوفيق بين الرأيين: كونه صخرة، وكونه صنمًا.

ويظهر من أقوال ابن الكلبي أن هذا الصنم كان معظمًا، خاصة عند الأوس


١ تفسير الطبري "٢٧/ ٣٥".
٢ تفسير الطبري "٢٧/ ٣٥".
٣ تفسير الطبري "٢٧/ ٣٢ وما بعدها".
٤ تفسير الطبرسي، مجمع البيان "٩/ ١٧٦"، البلدان "٨/ ١٦٧ وما بعدها".
٥ مجمع البيان "٨/ ١٦٧ وما بعدها".
٦ تفسير الطبري "٢٧/ ٣٢ وما بعدها"، الكشاف "٣/ ١٤٤ وما بعدها"، تفسير البيضاوي "١/ ١٩٩".
٧ وكان منصوبًا على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد، بين المدينة ومكة وما قارب ذلك من المواضيع، البلدان "٨/ ١٦٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>