للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معناه صمتًا، ويقويه قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} ١. والصوم: الصبر كذلك.

وقد ذكر "الصوم" في السورة المدنية، أما في السور المكية، فقد ذكر مرة واحدة، في "سورة مريم": {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} ٢. وقد حددت السور المدنية أصول الصيام في الإسلام.

والصوم المعروف عند اليهود والنصارى معروف عند أهل الجاهلية الذين كان لهم اتصال واحتكاك بأهل الكتاب. فقد كان أهل يثرب مثلًا على علم بصوم اليهود؛ بسبب وجودهم بينهم. وكان عرب العراق وبلاد الشأم على علم بصوم النصارى؛ بسبب وجود قبائل عربية متنصرة بينهم. وكان أهل مكة، ولا سيما الأحناف منهم والتجار على معرفة بصيام أهل الكتاب. وبصيام الرهبان، المتمثل في السكوت والتأمل والجلوس في خلوة؛ للتفكير في ملكوت السماوات والأرض. ويظهر من أخبار أهل الأخبار أن من الجاهليين من اقتدى بهم، وسلك مسلكهم. فكان يصوم، صوم السكوت والتأمل والامتناع عن الكلام والانزواء في غار حراء وفي شعاب جبال مكة.

ويذكر أهل الأخبار أن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء. وفي هذا اليوم كانوا يحتفلون، ويعيدون، ويكسون الكعبة، وعللوا ذلك بأن قريشًا أذنبت ذنبًا في الجاهلية، فعظم في صدورهم، وأرادوا التكفير عن ذنبهم، فقرروا صيام يوم عاشوراء، فصاموه شكرًا لله على رفعه الذنب عنهم٣. وذكر أن رسول الله كان يصوم عاشوراء في الجاهلية، ولما قدم المدينة واظب عليه وأمر الناس بصيامه حتى نزل الأمر بصيام رمضان. وقد ذكر العلماء أنه يحتمل أن قريشًا اقتدت بصيامه في الجاهلية، بشرع سالف، ولذا كانوا يعظمونه بكسوة البيت الحرام فيه٤. وذكر بعضهم: كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية؛ اقتداء بشرع سابق، وكان النبي يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه على عادته وأمر أصحابه بصيامه في أول السنة الثانية، فلما نزل رمضان، كان من


١ اللسان "/ ٣٥٠"، "صوم".
٢ سورة مريم، رقم ١٩، الآية ٢٦.
٣ بلوغ الأرب "٢/ ٢٨٨".
٤ إرشاد الساري "٣/ ٤٢١"، "باب حكم صيام عاشوراء".

<<  <  ج: ص:  >  >>