للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وكانت أديان العرب مختلفة بالمجاورات لأهل الملل، والانتقال إلى البلدان، والانتجاعات. فكانت قريش وعامة ولد "معد" بن عدنان على بعض دين إبراهيم، يحجون البيت ويقيمون المناسك، ويقرون الضيف ويعظمون الأشهر الحرم، وينكرون الفواحش والتقاطع والتظالم، ويعاقبون على الجرائم"١. فأدخل في الدين أمورًا نعدها اليوم من الأعراف وقواعد الأخلاق والسلوك، وجعلها من سنة إبراهيم، أي دين العرب القديم قبل إفساده بالتعبد للأصنام.

وذكر "السكري"، أن العرب كانت "دون من سواها من الأمم. تصنع عشرة أشياء منها: في الرأس خمسة. وهي المضمصة والاستنشاق والسواك والفرق وقص الشارب. وفي الجسد خمسة. هي: الختانة وحلق العانة ونتف الأبطين، وتقليم الأظفار والاستنجاء، خصت بهذا العرب، دون الأمم"٢. فهذه الأمور العشرة هي من شعائر العرب في نظر "السكري". وهي شعائر، لا يمكن أن نجارية في رأيه، فنقول إنها كانت في جميع العرب، وإنها كانت فيهم خاصة، دون غيرهم من الأمم وفي كلام "السكري" أمور كثيرة لا يمكن التسليم بصحتها بل نجده هو يناقض نفسه في مواضع أخرى من كتابه. من ذلك قوله: "وكانوا يؤمنون بالحساب"٣ "ولا يأكلون الميتة"٤، فعمم رأيه، وجعله شاملًا كل العرب، بينما هو رأي طائفة من الجاهليين، وليس جميع أهل الجاهلية وللقرآن الكريم دليل ذلك، فقد حمل عليهم لنكرانهم البعث والحساب، وحرم على المسلمين أكل لحم الميتة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} ٥. وكانوا يأكلونها في الجاهلية.

وورد أن ممن حرم أكل الميتة على نفسه "حارثة بن أوس" الكلبي، وهو جاهلي، يقول:

لا آكل الميتة ما عمرت ... نفسي وإن أبرح إملاقي

والعقد لا أنقض منه القوي ... حتى يواري القبر أطباقي٦


١ اليعقوبي "١/ ٢٢٤"، "أديان العرب".
٢ المحبر "٣٢٩".
٣ المحبر "٣٢٢".
٤ المحبر "٣٢٩".
٥ المائدة، الآية رقم ٣، تفسير الطبري "٦/ ٤٤"، روح المعاني "٦/ ٥١".
٦ المحبر "٣٢٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>