للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكريم أنهم كانوا يؤدونها كما كانوا يؤدون الحج، ولوقوعها في شهر رجب، وهو شهر كان الجاهليون يذبحون العتائر فيه، لعلنا لا نخطئ إذا قلنا إنهم كانوا يذبحون ذبائحهم في العمرة، حينما يأتون أصنامهم فيطوفون حولها، أما في الإسلام، فالعمرة دون الحج. وإذا كانت في شهر رجب في الجاهلية، كانت حجًّا خاصًّا مستقلًّا عن الحج الآخر الذي يقع في شهر ذي الحجة. حرص الجاهليون على ألا يوافق موعدها موعد مواسم الحج، لما كان لها من أهمية عظيمة عندهم قد تزيد على الطواف المألوف في شهر الحج١.

وورد أن أهل الجاهلية كانوا يرون أن العمرة من أشهر الحج: شوال وذي القعدة وتسع من الحجة وليلة النحر، أو عشر أو ذي الحجة من الفجور في الأرض، أي من الذنوب٢، ولكن بعضًا آخر كان يعتمر في كل شهر، ولا سيما في رجب، حيث كانوا يحلقون رءوسهم ويجيئون إلى محجاتهم للعمرة. وورد أن أهل الجاهلية "كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر. ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر"٣.

وذكر أن الأشهر الحرم ثلاثة سردًا وواحدًا فردًا، وهو رجب. أما الثلاثة، فليأمن من الحجاج واردين إلى مكة وصادرين عنها، شهرًا قبل شهر الحج، وشهرًا بعده، قدر ما يصل الراكب من أقصى بلاد العرب، ثم يرجع وأما رجب، فللعمَّار يأمنون فيه مقبلين وراجعين نصف الشهر للإقبال ونصفه للإياب؛ إذ لا تكون العمرة من أقاصي بلاد العرب كما يكون الحج. وأقصى منازل المعتمرين بين مسيرة خمسة عشر يومًا٤.

ويلبس المعتمر "الإحرام" أيضًا. وقد كان الجاهليون يكتفون في عمرتهم بالطواف بالبيت، أما "السعي" بين الصفا والمروة، فأغلب الظن أن العرب لم يكونوا يقومون به. بدليل ما ورد في القرآن الكريم من قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا


١ المشرق، الجزء ٣٩ "١٩٤١"، "ص٢٥٠"، Reste, s. ٨٤,
٢ إرشاد الساري "٦/ ١٧٤".
٣ الروض الأنف "١/ ٣٥١".
٤ الروض الأنف "٢/ ٦٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>