للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأكثر، والصياغة وقد اختص بها بنو قينقاع، والحدادة، وهي صناعة يأنف منها العرب ويزدرونها ويرونها من الحرف الممقوتة الحقيرة.

ولم يكن من مصلحة اليهود، وهم أهل زرع وضرع ومال وتجارة وأرض ثابتة وقصور وآطام، أن يشتركوا في الحروب أو يشجعوا وقوعها في ديارهم وفي جوارهم، بل كان من مصلحتهم أن يعم الاستقرار البلاد التي يقيمون فيها، ليعيشوا عيشة هنيئة، وليبيعوا ما عندهم من الأعراب وليشتروا منهم ما عندهم من سلع وليقبضوا أموالهم منهم والأرباح التي استحقت على تلك الأموال.

وفي النزاع الذي يقع بين القبائل، لم يكن من مصلحتهم تأييد حزب على حزب، خوفًا من الوقوع في أخطاء تجر عليهم أخطارا ومهالك هم في غنى عنها وفي مأمن من شرها. ثم إنهم بتحزبهم لطرف يغضبون الطرف الآخر، فيضمر عندئذ شرًّا لهم، فيخسرون بذلك مشتريًا وبائعًا. وهم أناس أصحاب سوق وتجارة. غير أن الظروف كانت تكرههم في بعض الأحيان على الاشتراك في الحرب، وعلى إثارة الحرب أيضًا متى وجدوا في إثارتها فائدة لهم ومصلحة ترتجى كأن ينهكوا العدو بحرب مع عدو آخر بإيقاع الفتنة وإشعال النيران، كما أوقعوا بين الأوس والخزرج، لإضعاف الطرفين معًا، حتى لا تبقى لهم قوة تهددهم وتكون خطرًا عليهم.

وفي يوم بعاث استعان الأوس ببني قريظة والنضير، فبلغ ذلك الخزرج فأرسلوا إليهم يحذرونهم من سوء عاقبة الاشتراك في هذا النزاع، فتوقفوا، غير أنهم عادوا فعاونوا الأوس، وانضم إليهم بنو النبيت، فلما كسب الأوس الحرب، كسب بنو قريظة والنضير والنبيت غنائم من الخزرج، وخرجوا في هذا اليوم منتصرين بانتصار الأوس١.

ويذكر أهل السير والأخبار: أن يهود يثرب كانوا إذا تضايقوا من الأوس والخزرج هددوهم بقرب ظهور نبي يستعلون به عليهم. ففي رواية عن بعض الصحابة إنهم قالوا: "كنا قد علوناهم في الجاهلية، ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب، فكانوا يقولون لنا: إن نبيا يبعث الآن نتبعه، قد أطل زمانه،


١ ابن هشام "٣/ ٩٤"، اليهود "ص٦٢ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>