للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض العلماء: الجان، حية بيضاء، وقال بعض آخر: الجان حية، أو ضرب من الحيات١. ولما قام "حرب بن أمية" جد معاوية بن أبي سفيان مع "مرداس بن أبي عمرو" باصلاح "القرية"، وهي إذ ذاك غيضة شجر ملتف لا يرام، فأضرما النار في الغيضة، فلما استطارت وعلا لهيبها سمع من الغيضة أنين وضجيج كبير، ثم ظهرت منها حيات بيض تطير حتى قطعتها وخرجت منها، فما لبث أن مات الرجلان، أماتهما الجن على ما يزعمه رواة هذا الخبر٢. ولعلهما ماتا بعضة حية من تلك الحيات التي كانت ساكنة بين تلك الحيات والحشرات، فابتدعت مخيلة القصاصين هذه القصة عن فزع الجن وطيرانها في صورة ثعابين بيض. ويعلل "نولدكه" وفاتهما بفعل الاختناق من الغاز الذي تصاعد من الاحتراق٣.

وذكروا أن الحية لا تموت حتف أنفها، وإنما تموت بعرض يعرض لها. وإنها تصبر على الجوع حتى ضرب بها المثل في ذلك. وإنها إذا هرمت صغرت في بدنها. ولم تشته الطعام٤. وإنها تنطق وتسمع. وقد أورد أهل الأخبار شعرا في ذلك، ذكروا أنه للنابغة. ومذهب النابغة في الحيات مذهب أمية بن أبي الصلت، وعدي بن زيد وغيرهما من الشعراء٥، الذين تأثروا برأي أهل الكتاب فيما جاء عن الحية في العهدين وفي كتب الشروح والتفاسير والقصص الإسرائيلي القديم.

ولم تنفرد مخيلة الجاهليين وحدها باختراع إسطورة أن الحيات هي من الجن، وإنها جنس منها، فإن غير العرب من الساميين مثل العبرانيين كانوا يقولون أيضًا بهذا القول. وكذلك قال بهذه الأسطورة غير الساميين، مما يدل على إنه من الأساطير القديمة جدا التي انتشرت عند البشر، بسبب ما قاسوه في أيام بداوتهم من هذا الحيوان٦. ونجد قصة الحية في سفر التكوين. وهي في هذا السفر أشد


١ تاج العروس "٩/ ١٦٥"، "جن".
٢ الحيوان "٢/ ١٤٣"، "حاشية"Robertson, p. ٢٣٣
٣ Ency. ReIigi, I, p. ٦٧٠
٤ الحيوان "٤/ ١١٨ وما بعدها"، "موت الحية".
٥ الحيوان "٤/ ٢٠٣ وما بعدها".
٦ Ency. ReIigi, I, p. ٦٦٩

<<  <  ج: ص:  >  >>