للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن التفت تطير، وفسره بالعودة. فلذلك لا يلتفت إلا العاشق الذي يريد العود١.

ومنها التصفيق: كانوا إذا ضل الرجل منهم في الفلاة، قلب ثيابه، وحبس ناقته، وصاح في أذنها كأنه يومئ إلى إنسان، وصفق بيديه: الوحا الوحا، النجا النجا، هيكل، الساعة الساعة، إلي إلي، عجل، ثم يحرك الناقة فيهتدى. قال الشاعر:

وأذن بالتصفيق من ساء ظنه ... فلم يدر من أي اليدين جوابها٢

وذكر إنه كان يقلب قميصه ويصفق بيديه كأنه يومئ بهما إلى إنسان فيهتدي٣.

وكان أحدهم إذا أراد دخول قرية، فخاف وباءها أو جنها، وقف على بابها قبل أن يدخلها، فنهق نهيق الحمار، ثم علق عليه كعب أرنب، كأن ذلك عوذة له ورقية من الوباء والجن. ويسمون هذا النهيق التعشير.

وروي أن "عروة بن الورد" خرج إلى "خيبر" ليمتار، فلما قربوا منها، عشر من معه، وعاف "عروة" أن يفعل فعلهم. فيقال: إن رفقته مرضوا، ومات بعضهم، ونجا "عروة" من الموت والمرض٤.

وكان مسافرهم إذا ركب مفازة وخاف على نفسه من طوارق الليل، عمد إلى واد ذي شجر، فأناخ راحلته في قرارته، وهي القاع المستديرة وعقلها، وخط عليها خطا، ثم قال: أعوذ بصاحب هذا الوادي٥. وإلى ذلك أشار القرآن {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} ٦. وذكر أنهم كانوا إذا نزلوا الوادي، قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه، فتقول الجن: ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرا ولا نفعا٧.

ومن عادات بعض العرب أنهم إذا خافوا شر إنسان وأرادوا عدم عودته إليهم، أوقدوا خلفه نارًا، إذا تحول عنهم، ليتحول ضبعه معه، أي شره. وكانوا يقولون: أبعد الله دار فلان وأوقد نارًا أثره، والمعنى لا رجعه الله ولارده٨.


١ المستطرف "٢/ ٨٠"، بلوغ الأرب "٢/ ٣٢٨".
٢ نهاية الأرب "٣/ ١٢٢"، صب الأعشى "١/ ٤٠٥".
٣ المستطرف "٢/ ٨٠"، بلوغ الأرب "٢/ ٣١٦".
٤ بلوغ الأرب "٢/ ٣١٥ وما بعدها".
٥ بلوغ الأرب "٢/ ٣٢٥".
٦ الجن، الآية ٦.
٧ تفسير الطبري "٢٩/ ٦٨".
٨ اللسان "٣/ ٤٦٦". "وقد".

<<  <  ج: ص:  >  >>