للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جزيرة العرب قبل الإسلام وعن أنواعها وتفاصيلها وأساليبها وطرقها وضرائبها وعن كيفية استغلال الأرض وطرق الاستفادة منها وواجب الفلاح تجاه صاحب الأرض، وعن الحاصلات السنوية ومقدار ما تأخذه الحكومة من المزارعين من ضرائب، وأمثال ذلك من أمور متصلة بالزراعة، لكنا قد تمكنا من تكوين رأي فيها من مراجعتنا للكتابات الكثيرة التي وصلت إلينا، وفيها أمور متعددة لها علاقة بهذه الموضوعات، كما أن آثار الأقنية والسدود الجاهلية المنتشرة في مختلف نواحي اليمن، هي في حد ذاتها شاهدة على مقدار توسع اليمانيين في الزراعة في ذلك العهد، ونجد مثل هذه الآثار الجاهلية في مواضع أخرى من جزيرة العرب، وهي دليل واضح على أنها كانت مزروعة معمورة، لا مغمورة مهملة كما هو شأنها في الوقت الحاضر.

أما بخصوص الزراعة واستغلال الأرضين وإيجارها وجباية الضرائب عنها والعقود التي كان يعقدها الملوك مع كبار الاقطاعيين وتنظيم المياه وأمثال ذلك، فقد وصلت إلينا كتابات وأوامر عامة فيها، كان يصدرها الملوك و"الكبراء"، يعلنونها على الناس، ليطلعوا عليها، وليعملوا يموجبها، تكتب على الحجارة، وتوضع في محلات عامة، أو في خزانات المسؤولين بموجبها، وذوي الشأن، ليرجع إليها حين الحاجة.

وهنالك كتابات كتبها رؤساء عشائر وأصحاب أملاك، عن حدود أملاكهم، أو عن تأجيرها لغيرهم، أو عن إنشاء سدود لضبط المياه وتوزيعها، أو عن حفر آبار، وأمثال ذلك، وهي كلها على صفتها الشخصية ذات قيمة بالقياس إلى هذا، لما ورد فيها من أفكار ومصطلحات فنية، تمكننا من تكوين رأي في الزراعة والنظم الاقتصادية في العربية الجنوبية في ذلك العهد.

وإذا كنا قد حصلنا على فكرة ما عن الزراعة في اليمن، وفي بعض أقسام العربية الجنوبية استنادًا إلى الألفاظ والمصطلحات الزراعية في الكتابات الجاهلية وإلى الوثائق الخاصة بالأرض وبالضرائب وبالتأجير وبعقود البيع والشراء، وإلى بعض الصور المنقوشة على هذه الكتابات، فإننا لم نعثر، ويا للأسف، على كتابات جاهلية تتحدث عن هذه الأمور في الحجارة وفي أواسط جزيرة العرب وفي الأقسام الشرقية منها، وآراؤها عنها مستمدة في الدرجة الأولى من المراجع الإسلامية ومن مشاهدات السياح لمناطق الآثار ووصفهم آثار الزراعة في المناطق التي مروا بها، ومن تقارير الخبراء "الجيولوجيين" وغيرهم من موظفي شركات النفط العاملة في جزيرة العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>