للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان الجاهليون يقيمون حواجز عند مخارج السيول، لحبس الماء في المنخفضات لتكوين أحواض لحفظ الماء فيها، للاستفادة من مائها عند انقطاع السيول وظهور الجفاف. ولما كان بناء سد ضخم بحجارة وبجدر مرتفعة طويلة، عمل يحتاج إلى مهارة وخبرة وإلى مال، وإلى وجود حكومة كبيرة متمكنة من الناحية المادية، وهي شروط لم تكن متوفرة في معظم أنحاء جزيرة العرب، ما خلا اليمن، صارت السدود في معظم أنحاء جزيرة العرب سدودًا صغيرة بدائية في أغلب الأحيان، هي مجرد حواجز من تراب أو من صخور كدست بعضها فوق بعض لحبس الماء في المنخفض ومنعه من الجريان. وقد شاهد السياح آثار سدود جاهلية في أنحاء جزيرة العرب، ووصفوها، وذكروا أن من الممكن الاستفادة من بعض تلك السدود ومن مواقعها، وأشادوا بمقدرة من شيدها وأقامها وبقابلياته الهندسية وبفطنته في حسن اختيار المواقع، بالرغم من ضعف القدرة الفنية وبدائية الأساليب التي استعملت في ذلك الزمن١.

ومن السدود: "السد" ماء سماء في "حزم بني عوال"، جبيل لغطفان أمر الرسول بسده. وسد "أبي جراب" أسفل من عقبة منى دون القبور عن يمين الذاهب إلى منى، منسوب إلى "أبي جراب عبد الله بن محمد بن عبد الحاراث بن أمية الأصغر"، وسد قناة٢، وسد "العياد"، وقد أقيم في موضع يبعد عن الطائف زهاء ستة أميال، كتب عليه بالخط الكوفي المحفور على الحجر: "هذا سد عبد الله بن معاوية أمير المؤمنين. بناه عبد الله بن إبراهيم". وكان ذلك سنة "٥٨" للهجرة. وقد أقيم بالحجارة وحدها، فلم يضع مهندسه، عبد الله بن إبراهيم مادةً من مواد البناء مثل الملاط أو الطين وما شابه ذلك بين الحجارة لتثبيتها وضمها بعضها إلى بعض حتى تتماسك، فتكون كأنها قطعة واحدة. وهي طريقة معروفة في اليمن، استعملها المهندسون الجاهليون كما يظهر ذلك من فحص الخرائب العتيقة الباقية من الأبنية والسدود الجاهلية. ولا يزال هذا السد في حالة ممتازة يتحدث عن نفسه وعن قدرة المهندس الذي أقامه في هذا المكان.


١ تويتشل، المملكة العربية السعودية "ص٥٠".
٢ تاج العروس "٢/ ٣٧٣"، "سدد".

<<  <  ج: ص:  >  >>