للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووردت لفظة "اليم" في القرآن الكريم١، ويراد بها البحر. وقد ذكر بعض علماء اللغة أنها لغة سريانية٢. وفي اللغة العربية ألفاظ أخرى مرادفة للبحر أيضًا، منها "القلمس"، و"الدأماء"، و"الكافر"، و"الحنبل"، و"الخضم"، و"العيلم"، وغير ذلك من ألفاظ ترد في كتب اللغة٣. ولجزيرة العرب سواحل طويلة تحيط بها من جميع جهاتها الثلاث، أما حدها الشمالي فهو أرض تتصل بالعراق وببلاد الشأم. وقد عرف أهل السواحل البحر وعركوه، وعملوا على استغلال ثرواته قدر طاقتهم، وتعاملوا مع أهل السفن الذين كانوا يقصدونها من مسافات بعيدة، وركب جمع منهم السفن، للاتجار مع السواحل المقابلة لهم. فباعوا في أسواقها واشتروا، وقد أظهر أهل السواحل العربية الجنوبية والشرقية نشاطًا في ركوب البحر، لا نجده عند أهل السواحل الغربية، على ما يتبين من روايات أهل الأخبار.

ولتكوين رأي عن مدى وقوف الجاهليين على البحار وعلى مدى توغلهم فيها، وركوبهم أمواجها للتجارة أو للاستيطان في مواطن جديدة غريبة، لا بد لنا من الرجوع إلى مراجع لتستحلب منها مادة نكون منها علمنا عن هذا الموضوع. والآثار هي أول ما يجب الرجوع إليه لاستخلاص هذه المادة، ولكنا ويا للأسف شحيحة، ليس فيها شيء كاف منها. وأما الموارد الأعجمية، مثل الموارد المدونة باليونانية واللاتينية والسرياينة، فلم تتحرش بموضوع العرب والبحار وبتجارتهم في البحر. وأما الموارد الإسلامية، فهي بخيلة، ليس فيها ما يفيدنا عن العرب والبحر غير نزر يسير يفيد، أن أهل الجاهلية، كانوا يكرهون ركوب البحر، ويتهيبون منه، وأنهم لم يكونوا يملكون سفنًا لعبوره، حتى أن المهاجرين الأولين من المسلمين، لما هربوا من مكة إلى الحبشة، ركبوا سفنًا بدائية حبشية، أوصلتهم إلى الحبشة، وأن الخليفة "عمر" كان يتهيب ركوب البحر، وكان يوصي قواده بتجنيب جيوشهم مخاطره، والابتعاد عنه قدر الإمكان. وبضرورة وضع أرض آمنة وراء الجيش ليكون في وسعهم الرجوع إليها عند المهالك والمآزق٤.


١ طه، الآية ٣٩، ٧٨، ٩٢، القصص، الآية ٧، الأعراف، الآية ١٣٥.
٢ المخصص "١٠/ ١٦٣"، تاج العروس "٩/ ١١٤"، "يمم"، اللسان "٤/ ٤٢"، "بحر".
٣ راجع الألفاظ المذكورة في كتب اللغة والمعجمات.
٤ إرشاد الساري "٤/ ١٤ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>