للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأغنياء، الذين كانوا يعتنون بملابسهم وينفقون في شرائها مالًا، وهي تستورد من الخارج؛ من اليمن ومن بلاد الشام والعراق.

ويفهم من القرآن الكريم أن بين الجاهليين من كان يكتنز الذهب والفضة، ولا يعطي مما جمعه للفقراء والمحوجين شيئًا. وقد بشر هؤلاء بعذاب أليم؛ لاكتنازهم المال وعدم إخراج شيء منه من حق مفروض عليهم، لينفق في موضعه ومكانه الذي وضعه الله له١, وأشار إلى أناس حبب إليهم جمع القناطير المقنطرة من الذهب والفضة٢. وكان أغنياؤهم يعيشون عيشة مترفة؛ يحتسون الماء بآنية من ذهب، حتى قيل لأحدهم: "حاسي الذهب" و"شارب الذهب"٣, ويستخدمون الأثاث الفاخر، والمذهبات وهي الأشياء المطلية بالذهب، والبرد المذهبة, والملابس المذهبة، والحلي المصوغة من الذهب، على حين يعيش بعضهم عيشة كفاف، وبعض منهم عيشة فقير معدم.

وقد عرف "عثمان بن عمرو بن كعب"، وهو من "بني تميم بن مرة" بـ"شارب الذهب"؛ لغناه وكثرة ماله، حتى كان يشرب بآنية من ذهب، وقد عد في أجواد قريش٤.

ويظهر من سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} ٥ أن "أبا لهب" كان رجلًا ثريًّا كسب مالًا وذرية ذكورًا. وهو عم من أعمام النبي، واسمه "عبد العزى"، وكان يرى نفسه لكثرة ماله وولده، أنه من رجال قريش وسادتهم، فلا يليق به اتباع ابن أخيه، وهو أصغر منه سنًّا وأقل منه مالًا. يقال: إنه قال للنبي: "ماذا أُعطَى يا محمد إن آمنت بك؟ قال: "كما يعطى المسلمون! " فقال: ما لي عليهم فضل! قال: "وأي شيء تبتغي؟ " قال: تبًّا لهذا من دين, تبًّا أن أكون أنا وهؤلاء سواء"٦.

وقد تحدثت عن "أبي سفيان" في مواضع من هذا الكتاب، وكان تاجرًا


١ سورة التوبة، الرقم ٩، الآية ٣٤.
٢ سورة آل عمران، الرقم ٣، الآية ١٤.
٣ المحبر "١٣٧".
٤ المحبر "١٣٧".
٥ سورة تبت، الرقم ١١١، الآية ١ وما بعدها.
٦ تفسير الطبري "٣٠/ ٢١٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>