للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضعفت فيها وشائج الدم والنسب، وكثر فيها التزاوج والتصاهر بين العرب والعجم، فصعب على الناس فيها المحافظة على أنسابهم، وقلت الفائدة من النسب عندهم؛ ولهذا لم يعتنوا به عناية الأعراب بالأنساب.

فالانتماء إلى عشيرة أو قبيلة أو حلف، هو حماية للمرء، وجنسية في عرف هذا اليوم؛ ولهذا صار إخلاص الأعرابي لقبيلته أمرا لازما له محتما عليه، وعليه أن يدافع عن قبيلته دفاع الحضري عن وطنه. فالقبيلة هي قومية الأعرابي، وحياته منوطة بحياة تلك القبيلة؛ ولهذا كانت قومية أهل الوبر قومية ضيقة، لا تتعدى حدودها حدود القبيلة وحدود مصالحها وما يتفق أهل الحل والعقد فيها عليه. ومن هنا صارت القبائل كتلًا سياسية، كل كتلة وحدة مستقلة لا تربط بينها إلا روابط المصلحة والفائدة والقوة والضعف والنسب.

والعادة انتساب كل قبيلة إلى جد تنتمي إليه، وتدعي أنها من صلبه، وأن دماءه تجري في عروق القبيلة، وتتباهى به وتتفاخر، فهو بطلها ورمزها، وعلامتها الفارقة التي تميزها عن القبائل الأخرى. وليس ذلك بدعًا في العرب، بل إنا لنجد الأمم والشعوب الأخرى تنتمي إلى أجداد وآباء. فـ"هيلين" "Hellen" هو جد أهل "دورس" "Dorus"، ومنه أخذ "الهيليون" اسمهم هذا. وكان للرومان وللفرس وللهنود وللأوروبيين أجداد انتموا إليهم واحتموا بهم وتعصبوا لهم ونسبوا أنفسهم إليهم على نحو ما نجده عند العرب والإسرائيليين وبقية الساميين١.

وفي التوراة ولا سيما "أسفار التكوين" منه، أبرز أمثلة على النسب، نجد فيها أنساب الأنبياء والشعوب، وأنساب بني إسرائيل, يسبق النسب في العادة جملة: "وهذه مواليد" "وإله تولدت" ثم يرد بعدها النسب٢, أي: أسماء من يراد ذكر نسبهم. قد يذكر نسب الأب والزوجة والولد، وقد لا تذكر الزوجة، بل يكتفى بالأب وبأولاده, وقد لا يذكر الولد. والذي يقرأ هذه الأسماء يقرؤها وكأنها أسماء أشخاص حقا, ولكننا إذا قرأناها قراءة نقد، نرى أن بعضها أسماء مواضع ومواقع، أو أسماء قبائل وعشائر, أو أسماء طواطم،


١ Hastings, P. ٢٨٥
٢ راجع السفر العاشر من التكوين، الآية الأولى, Hastings, P. ٢٨٥

<<  <  ج: ص:  >  >>