للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب الذين لم يكن لهم كتاب١. ويراد بالكتاب، التوراة والإنجيل. ولذلك نعت اليهود والنصارى في القرآن بـ"أهل الكتاب"، وهذا المعنى يناسب

كل المناسبة لفظة "الأميين" الواردة في القرآن الكريم، وتعني الوثنيين، أي: جماع قريش وبقية العرب، ممن لم يكن من يهود وليس له كتاب.

وللعلماء آراء في الأمية، وذلك لما لها من صلة بالرسول، ولما كان القرآن قد نعت قوم الرسول بالأميين، وجعل الرسول أميًّا مثلهم، فقد ذهبوا إلى أن العرب كانوا قبل الإسلام أميين بمعنى أنهم كانوا لا يقرءون ولا يكتبون إلا من شذّ منهم وندر، وإلا أفرادًا من أهل مكة، زعموا أنهم تعلموا الكتابة من عهد غير بعيد عن الإسلام، ولو أخذنا أقوالهم مأخذ الجد، وجب علينا القول بأنهم: إنما تعلموها في حياة الرسول، أي: قبل الوحي بسنين ليست بكثيرة، وأن مكة كانت المدينة الوحيدة التي عرفت الكتابة في جزيرة العرب، وهو كلام لا يقوم على علم. فقد كان بيثرب كتّاب يكتبون بكتاب مكة، وكان في أماكن أخرى كتّاب يكتبون بكتابهم أيضًا، فضلًا عن انتشار الكتابة بالمسند في العربية الجنوبية وفي مواضع أخرى من جزيرة العرب.

والرسول أمي، لم يقرأ ولم يكتب، فإذا أراد كتابة رسالة أو عهد أو تدوين للوحي، أمر كتابه بالتدوين. على ذلك أجمع المسلمون. وقد وردت في القرآن آيات: مثل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ٢، وآية: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} ٣. أخذها البعض على أن فيها دلالة على أن النبي كان يقرأ ويكتب، واستدل أيضًا ببعض ما ورد في كتب الحديث والسير، وفيه ما يفيد أنه كان ملمًّا بالقراءة والكتابة، كالذي ورد في صلح "الحديبية" أنه "هو الذي كتب الكتاب بيده الشريفة. وهو ما وقع في البخاري"٤. وما جاء في السيرة لابن هشام: "فبينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكتب


١ المفردات "ص٢٢".
٢ سورة اقرأ، الآية الأولى.
٣ العنكبوت، الآية ٤٨، تفسير الطبري "٤/ ٢١".
٤ الروض الأنف "٢/ ٢٣٠"، الحلبية "٣/ ٢٣ وما بعدها".
Nôldeke، Geschichte des Qorâns، I، S. ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>