للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكتفوا بحفظ ما ورد إليهم، وبالتعصب لكل ما تلقنوه، بل تتبعوا ثقافات غيرهم وعلومهم، ودرسوا اللغات والفلسفات الأخرى، وكوّنوا لهم آراء خاصة اعتمدت على استعمال العقل والمنطق، فظهر النقد عندهم، والنقد يخلق الرأي.

والبيت هو المدرسة عند الجاهليين وعند غيرهم من شعوب ذلك الزمن، فيه يتعلم الطفل، وإليه يرد المعلم لتعليم أولاد الموسرين ما يحتاجون إليه من كتابة وعلم بأجرة تدفع إليه، وفيه قد يتعلم الطفل الكتابة من الرقيق المجلوب الذي كان له حظ من العلم. وفيه تشرف أمه على تربيته وإدارته ما دام صغيرًا، ثم يشرف عليه أبوه فيلقنه شئون الصنعة وأمور الحياة متى تجاوز الخامسة أو السابعة من عمره.

وفي البيوت والطرقات والأزقة يلعب الأطفال، أما الشبان، فقد كانوا يتبارون بالألعاب في الساحات العامة خارج المدن، والقرى في الغالب. يتسابقون بركوب الخيل وبالمصارعة وبالجري وبرمي السهام. وقد يخرجون إلى الصيد ولا يزال أطفال جزيرة العرب يلعبون بعض الألعاب التي كان أطفال الجاهلية وشبانهم يلعبونها قبل الإسلام.

وقد قامت المعابد بدور فعّال ناشط في نشر القراءة والكتابة. وإذا كنا نجهل اليوم موقف معابد الوثنيين من تعليم القراءة والكتابة بها، فإننا لا نستطيع أن ننكر موقف "الكنيس" و"المدراش" "المدارس" عند اليهود، و"الكنائس" عند النصارى من تنشيط التعليم وتهيئة الأطفال لتعلم القراءة والكتابة، لخدمة الدين، أو للأغراض التثقيفية والشئون الخاصة بالحياة. وقد قام "المدراش" وقامت الكنيسة بدور فعال في تعليم الناس أمور دينهم وشرح ما ورد في التوراة وفي الإنجيل إلى المؤمنين بهما. فقد كان أحبار يهود "يثرب" وقرى "وادي القرى" يجلسون في المعابد ليفسروا للناس أحكام شريعة يهود.

والمدراس، لفظة عبرانية الأصل، هي "مدرش" Midrash، وتعني بحث وشرح نص١. وقد أطلقت على المكان الذي تدرس فيه التوراة. فصار بمثابة المدرسة، يقصده اليهود للتفقه فيه والتعلم، وقد قصده الجاهليون أيضًا ليسمعوا ما عند يهود. كما قصده المسلمون. وقد كانت لليهود جملة بيوت عبادة يجلس فيها أحبارهم للإفتاء ولشرح الكتب المقدسة لتلامذتهم وللناس. فكانت بيوت عبادة ومدارس للتعليم.


١ Hastings, p. ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>