للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنهم كانوا كهانًا، وأطلقت على جماعة عرفت بأن لها رأيًا في الدين، وأطلقت على نفر كان لهم رأي في المعالجة والتطبيب، وأطلقت على نفر عرفوا بقراءة الكتب القديمة، أي: الكتب السماوية وغيرها مما كان عند يهود والنصارى وعند الروم والفرس، وأطلقت على غير ذلك، فهي إذن كما ترى ذات معان واسعة شاملة.

ويلاحظ أن القرآن الكريم، قد أورد لفظة "الحكمة" بعد لفظة "الكتاب" وفي حالة العطف، أي: على هذه الصورة: "الكتاب والحكمة"، واستعملها بعد لفظة "الملك" في الآية: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} ١. واستعملها مفردة كما في {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} ٢. وفي مواضع أخرى. وقد ذهب المفسرون إلى أن المراد من الكتاب القرآن، ثم اختلفوا في معنى الحكمة، فمنهم من قال: إنها السُّنة، ومنهم من قال المعرفة بالدين والفقه، ومنهم من قال: الحكمة العقل في الدين أو الإصابة في القول والفعل، إلى غير ذلك من أقوال٣، تدل على أن تفسيرها بمعنى السُّنة والتفقه في الدين من التفسيرات التي ظهرت في الإسلام. أما معناها عند الجاهليين، فكان بمعنى الخبرة المكتسبة من الملاحظات العميقة إلى الأشياء، أو المستخلصة من التجارب، وبمعنى العلم والرأي الصائب. وبهذا المعنى جاءت الحكمة عند الساميين. فقد كان الحكيم عندهم العالم الذكي الفطن الذي ينظر بعين البصيرة إلى أعماق الأمور بتؤدة وتبصر وأناة، فيبدي رأيه في كل شيء في هذه الحياة، من سياسة واقتصاد، ومن أمور تخص السلم أو الحرب، أو الخدع، والحكم بين الناس. ولهذا كان الحكماء في أعلى الدرجات في مجتمعهم من ناحية الثقافة والرأي.

ويظهر من دراسة ما ورد في المؤلفات الإسلامية عن الحكمة والحكماء أن الجاهليين أرادوا بالحكمة حكايات وأمثلة فيها تعليم ووعظ للإنسان، يقولونها ليتعظ بها في حياته وليسير على وفق هدى هذه الحكم. وهي حكم حصلت من تجارب عملية، ومن ملاحظات وتأملات في هذه الحياة. ولهذا نسبوا الحكمة إلى


١ البقرة، الرقم٢، الآية ٢٥١.
٢ البقرة، الآية ٢٦٩.
٣ تفسير الطبري "١/ ٤٣٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>