للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوجد اليوم آبار قديمة في مواضع مختلفة من جزيرة العرب عميقة جدًّا، ولا زال الناس يستقون منها الماء. وهي عادية، أي: قديمة تعود إلى ما قبل الإسلام.

وكانت عليها مستوطنات تعيش على ماء هذه الآبار. ولهذا فلا غرابة إذا ما وجدنا القدماء يقدسون الآبار ويعتبرونها من مصادر الحياة بالنسبة لهم؛ لأنها تمدهم وتمد إبلهم، وكل ماشيتهم بعرق الحياة وروحها. ويدل عمقها على مقدار ما بذله الحفارون من جهد حتى توصلوا إلى تلك الأعماق بوسائلهم البدائية التي كانت متوفرة عندهم في ذلك العهد.

والآبار هي من مصادر الحضارة والتخضر في جزيرة العرب، فلولا ولولا موارد الماء الأخرى، لما ظهرت المستوطنات، ولما ظهر زرع، ولما عاش ضرع. ولهذا صارت البوادي أرضين قفرًا لا يسكنها ساكن إلا إذا استنبط ماء فيها، أو سقط غيث عليها. ولقيمة الماء في حياة جزيرة العرب نجد نصوص المسند تذكرها وتشير إلى الأرضين التي تسقى منها، وتعتبرها من مصادر النعمة والثراء.

ولأهمية الماء، كانوا يتقربون إلى آلهتهم بالقرابين وبالأدعية والتوسلات، لأن تمنحهم المطر، وتسقي أرضهم على أحسن وجه، وقد كان من واجب رجال الدين الاستسقاء، وذلك بأن يتوسلوا إلى آلهتهم بأن تمنَّ على عبيدها بالمطر، يقومون به بإجراء طقوس دينية خاصة، وربما استعانوا بالسحر في هذا الاستسقاء.

وقد كانت الشعوب الأخرى تستسقي كذلك، وتستعين بالسحر في إرضاء الآلهة لكي تنزل الغيث على المحتاجين إليه. وقد عرف الاستسقاء بمكة وعند سائر العرب، كما تحدثت عن ذلك في مواضع من هذا الكتاب. والأغلب أن الكهنة كانوا هم الذين يقومون بالاستسقاء؛ لأنه من صميم أعمالهم وواجباتهم١.

وقد سبق أن تحدثت عن شق الطرق في الهضاب وفي جبال اليمن، لإيصال القرى والمدن بعضها ببعض. وقد أبدع المهندسون في ذلك الوقت في شق الطريق في المناطق الجبلية، ويسمونها "مسبا"٢، ولا تزال آثار بعض منها موجودة حتى اليوم. ووردت لفظة "مذهب" في نصوص المسند، بمعنى الممر والطريق والمعبر٣.


١ Rhodokanakis, Katab. Texte, II, S. ٥٣, amm. ٢, ٥, r. Smith, Rellgion der Semiten, S. ٥٩, goldziher, im Festschrift fur Th. Noldeke, s. ٣٠٩.
٢ راجع النص رقم٤٦٢٤ المنشور في الصفحة٢٧٦ من كتاب: REP. EPIG, VII, II,
٣ Jamme ٦١٨, ١٦, Mahram, p. ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>