للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد وقوعها. فوالله ما مضت تلك السبعُ حتى غيث الناس"١. وكانوا إذا أرادوا الوقوف على ظواهر الجو لجأوا إلى العالمين بالأنواء، وكانوا إذا أرادوا التعبير عن خبير بها، قالوا مثلًا: "ما بالبادية أنوأ منه، أي: أعلم بالأنواء منه"٢. وذكر أهل الأخبار أن "الحارث بن زياد بن ربيع"، لم يكن في الأرض عربي أبصر منه بنجم٣.

واعتقاد راسخ مثل هذا في الكواكب والنجوم، لا بد أن يحمل الجاهليين على تتبع ما ورد عند الأمم الأخرى من علم الأنواء، للاستفادة منه في حياتهم العملية، وقد عاش بينهم عدد كبير من اليهود، ولهؤلاء علم أيضًا بالأنواء، ولهم اهتمام بهذا العلم، لما له من علاقة بشئونهم الدينية. ثم كان بينهم نصارى وقفوا على هذا العلم أيضًا، وكان هؤلاء قد هضموا علم الشرقيين به وطعّموا علمهم وعلم الشرقيين بما ورد في كتب اليونان واللاتين من علم به.

وقد اتخذ الجاهليون النجوم دليلًا لهم يهتدون بها في ظلمات البر والبحر. وقد أشير إلى ذلك في سورة الأنعام: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ٤. ولا بد للاهتداء بها من الوقوف عليها، ووضع أسماء لها، وتعيين البارز منها، ووضع معالم لها، ليكون في الإمكان معرفتها ومعرفة الاتجاه المؤدي إلى المكان المراد. فكانوا إذا سألهم سائل عن طريق قالوا: "عليك بنجم كذا وكذا"، أو "خذ بين مطلع سهيل ويد الجوزاء اليسرى العاقد لها ... "٥ إلى آخر ذلك من إشارات تفيد استدلالهم بالنجوم والكواكب وبالمطالع لمعرفة الطرق.

وفي الشعر الجاهلي أبيات تشير إلى اهتداء الناس في سيرهم بالنجوم فورد في شعر لسلامة بن جندل في المسير ليلًا:

ونحن نعشو لكم تحت المصابيح


١ تاج العروس "١/ ٤٧٤".
٢ تاج العروس "١/ ٤٧٤".
٣ الاشتقاق "٢٣٩".
٤ الأنعام، سورة رقم٩٧.
٥ البيروني، الآثار الباقية "٢٣٨"، تاريخ التمدن الإسلامي "٣/ ١٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>