للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الغيث، وفراره من الجدب وضنه بالحياة، اضطرته الحاجة إلى تعرف شأن الغيث، ولأنه في كل حال يرى السماء وما يجري فيها من الكواكب، ويرى التعاقب بينها والنجوم الثوابت فيها، وما يسير منها مجتمعًا وما يسير منها فاردًا، وما يكون منها راجعًا ومستقيمًا"١. وفي هذا وفي غيره تفسير لسبب اهتمام الجاهليين بالتوقيت ودراسة الأنواء٢.

وقد اعتبر القدماء أمر التوقيت من واجبات رجال الدين، فكان رجال المعابد والكهان هم الذين يقومون بضبط الوقت وتثبيت الأعياد وأوقات العبادة. ظلوا على ذلك أمدًا طويلًا، ولا تزال آثار ذلك باقية حتى اليوم. وكان هؤلاء الرجال قد احتكروا المعرفة والعلم لاعتقاد الناس أنهم أقرب البشر إلى الآلهة، وأن ما يتكلمون به إنما هو وحي منها، يوحى إلى هؤلاء، فعلمهم إذن نابع من مصدر صادق لا يتطرق إليه الشك.

وإذا كانت كتابات المسند لم تتحدث عن الموقتين ضباط الزمن في العربية الجنوبية، فإننا لا نعتقد بشذوذ العرب الجنوبيين عن غيرهم في هذا الباب، خاصة وأننا نرى أن الكهان وسدنة الكعبة ومن لهم صلة بالأصنام، كانوا هم الذين يقومون في الحجاز بضبط المواقيت والنسيء. فليس بمستبعد أن يختص رجال الدين في العربية الجنوبية بالتوقيت.


١ مقدمة كتاب الأنواء في مواسم العرب، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، طبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، سنة ١٩٥٦م "ص١ وما بعدها"، وسيكون رمزه: الأنواء.
٢ العمدة، لابن رشيق "٢/ ٢٥٢" القاهرة ١٩٦٤م".

<<  <  ج: ص:  >  >>