للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر "بروكوبيوس"، أن العرب كانوا قد جعلوا شهرين في السنة حرمًا لآلهتهم لا يغزون فيهما ولا يهاجم بعضهم بعضًا، ويقعان في تموز وآب١، وذكر "فوثيوس"، أن العرب كانوا يحتفلون مرتين في السنة بالحج إلى معبدهم المقدس: مرة في وسط الربيع عند اقتران الشمس ببرج الثور، وذلك لمدة شهر واحد، ومرة أخرى في الصيف، وذلك لمدة شهرين٢. وفي هذه الإشارات إلى الأشهر المقدسة، وإلى كونها ثابتة لا تتغير بتغير المواسم، دلالة على سير العرب في تقويمهم، وفقًا للتقويم الشمسي.

وقد عرف التاريخ عند الجاهليين، بدليل عثور الباحثين على نصوص كثيرة مؤرخة. وقد زعم علماء اللغة "أن التأريخ الذي يؤرخه الناس ليس بعربي محض، وأن المسلمين أخذوه من أهل الكتاب"٣، وفي كلامهم صحة، إذا كان قصدهم التأريخ العام للعالم، الذي يبدأ وفقًا لما جاء عند أهل الكتاب من الخلق ظهور آدم فالأنبياء والرسل والملوك إلى أيامهم، وفيه خطأ، إذا قصدوا به، التأريخ مطلقًا، أي: تثبيت الوقت، على نحو ما نفهم من قولنا: أرخ الحادث، وأرخت الكتاب، فقد عرف التأريخ عند الجاهليين، بدليل وروده في نصوصهم. واستعمالهم لفظة "بورخ"، للتأريخ. وكلمة "ورخ"، من الكلمات الواردة بكثرة في النصوص، ومنها لفظة "توريخ" و"ورّخ" بمعنى أرخ في عربيتنا. ولفظة "أرخ" نفسها هي من هذا الأصل.

وقد عرف "الجاحظ" أن الجاهليين كانوا يؤرخون إذ قال: "وكانوا يجعلون الكتاب حفرًا في الصخور، ونقشًا في الحجارة، وخلقة مركبة في البنيان؛ فربما كان الكتاب هو الناتئ، وربما كان الكتاب هو الحفر، إذا كان تأريخًا لأمر جسيم، أو عهدًا لأمر عظيم، أو موعظة يرتجى نفعها، أو إحياء شرف يريدون تخليد ذكره، أو تطويل مدته، كما كتبوا على قبة غمدان. وعلى عمود مأرب وعلى ركن المشقر، وعلى الأبلق الفرد يعمدون إلى الأماكن المشهورة، والمواضع المذكورة، فيضعون الخط في أبعد المواضع من الدثور، وأمنعها من الدروس،


١ Procopius, II, P. ١٦
٢ Reste, ١٠١. Winckler, Alt. Orient. Faroch, II, Reibe, ١ Band, S. ٣٣٦.
٣ تاج العروس "٢/ ٢٥٠"، "أرخ".

<<  <  ج: ص:  >  >>