للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأى "نلينو"، أن العربية الفصحى تولدت من إحدى اللهجات النجدية، وتهذبت في مملكة كندة وفي أيامها، فأصبحت اللغة الأدبية السائدة. وعزا سبب ذلك إلى ملوك هذه المملكة الذين أغدقوا على الشعراء وشجعوهم مما كان له وقع في نفوسهم، ثم إلى توسع رقعة هذه المملكة التي ضمت أكثر قبائل معدّ، وكان لها فضل توحيد تلك القبائل وجمع شتاتها، فشاعت هذه اللهجة على رأيه في منتصف القرن السادس للميلاد، وخرجت خارج نجد، وعمّت معظم أنحاء الجزيرة ولا سيما القسم الجنوبي من الحجاز الذي فيه يثرب ومكة والطائف، مع بقاء اللهجات العامية في منطق الناس المعتاد، وكان للعواصم المشهورة ولملوك الحيرة وغسان شأن لا ينكر في هذا الانتشار السريع العجيب١.

وذهب "هارتمن" "Hartmann" و"فولرس" "Vollers" إلى أن العربية الفصحى هي لهجة أعراب نجد واليمامة، غير أن الشعراء أدخلوا عليها تغييرات متعددة٢. وذهب "لندبرك" "Landburg" إلى أن الشعراء هم الذين وضعوا قواعد هذه اللهجة، وعلى قواعدهم سار المتأخرون، ومن شعرهم استخرجت القواعد، ومن قصائدهم تلك استنبط العلماء أصول النحو.

وزعم "فولرس"، أن القرآن لم ينزل بلغة أعراب نجد واليمامة، وإنما نزل بلغة أهل مكة، أي: لغة قريش، وهي لغة لم تكن معربة، وإنا كانت لغة محلية، فلما دوّنت قواعد العربية وثبتت طبق الإعراب على القرآن، وصقلت لغة قريش وفقًا لهذه القواعد.

ولم يعين "فيشر" اللهجة التي نبعت منها العربية الفصحى، غير أنه رأى أنها لهجة خاصة٣. ولـ "بروكلمن" و"ويتزشتاين" آراء في نشوء هذه اللغة وتطورها، ولكنهما لم يتحدثا عن علاقتها ببقية اللهجات٤.

ذهب "بروكلمن" إلى أن لغة الشعر الجاهلي لا يمكن أن يكون الرواة والأدباء


١ الهلال، السنة السادسة والعشرون، أكتوبر ١٩١٧، "ص٤٧ وما بعدها"، جواد علي، في كتاب الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة.
٢ Vollers, Volkssprache, S. ١٨٤.
٣ Rabin, p. ١٧.
٤ Rabin, p. ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>