للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقيت في اليمن إلى الإسلام، إذ ورد اسمها في نص "أبرهة" أيضًا، ونظرًا إلى التشابه فيما بين "كدت" "كدة" و"كندة" ربط النسابون بين الاثنين، وجعلوا نسب كندة "كدت". فتكون "كندة" بذلك من القبائل العربية الشمالية، و"كدت" من القبائل العربية الجنوبية، أقول هذه الآراء على سبيل الاحتمالات لأني من الأشخاص الذين يكرهون البت في الأمور العلمية لمجرد حدث أو ظن، ومن غير دليل علمي مقنع. والبت في مثل هذه الأمور لا يكون مقبولًا عندي إلا إذا استند على نص جاهلي، أو بدليل معقول مقبول، وحيث إننا لا نملكه الآن، فأترك هذه الاحتمالات إلى المستقبل علّه يتمكن من العثور على نصوص جاهلية تكشف القناع عنها، تأتي إلينا بالجواب الواضح الصحيح.

ولكننا نجد في الوقت نفسه -وكما سبق أن ذكرت- أن هنالك لهجات عربية مثل الثمودية والصفوية، تستعمل "الهاء" أداة تعريف بدلًا من الألف واللام في عربيتنا، فيقال: "هملك"، و"هدار" بمعنى "الملك" و"الدار". وذلك كما في العبرانية، إذ تستعمل الهاء فيها أداة للتعريف، ويقوم "ذ" فيها مقام الاسم الموصول كما عند طيء في قديم الزمان، إلى خصائص أخرى تجعلها مجموعة أخرى لا هي عربية جنوبية ولا هي عربية شمالية.

كما تبين من دراسة بعض الكتابات الجاهلية، مثل الكتابات التي عثر عليها في "القرية" وفي جبل "عبيد"، وفي شمال خشم كمدة أن لها خصائص انفردت بها عن المجموعتين، وقد وردت فيها أسماء كثيرة لم ترد في الكتابات العربية الجنوبية وفي عربية "هـ"، مما يجعلها أهلًا لأن تكون موضع دراسة خاصة في المستقبل، لعلها تكون مجموعة لغوية جديدة قائمة بذاتها، أو حلقة مفقودة بين اللغات الجاهلية المندثرة.

ووجود مثل هذا التباين الذي اكتشف من الكتابات، هو الذي دفعني إلى التفكير في إعادة النظر في تقسيم اللغات العربية إلى مجموعتين، وعلى التفكير بتقسيمها إلى مجموعات ذات خصائص لغوية متشابهة، تستنبط بالدرجة الأولى من أداة التعريف التي هي المميز الوحيد الذي يميز بين لهجات الجاهليين.

ونلاحظ أن عربية الـ"ن" "ان" مصطلحات غير موجودة في العربية الفصيحة لكنها موجودة في العبرانية. وفيها عدد غير قليل من الكلمات المجهولة في اللغات

<<  <  ج: ص:  >  >>