للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الأحاديث لم تنقل كما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما رويت بالمعنى".

وسبب ذلك، أنهم وجدوا أن من غير الممكن إثبات النص بالرواية من غير تبديل ولا تغيير قد يقع عليه، وخشية وقوع هذا الخطأ في كلام الرسول، وهو أعز كلام، وعليه تترتب الأحكام في الحلال والحرام، جوّزوا الرواية بالمعنى. ولهذا تركوا الاستشهاد بالحديث "على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب١"، ولو وثق العلماء من أن لفظ الحديث، هو لفظ الرسول حقًّا "لجرى مجرى القرآن الكريم في إثبات القواعد الكلية. وإنما كان ذلك لأمرين: أحدهما أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى، فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه صلى الله عليه وسلم لم يقل بتلك الألفاظ جميعها، نحو ما روي من قوله: زوجتكها بما معك من القرآن، ملكتكها بما معك من القرآن، خذها بما معك من القرآن، وغير ذلك من الألفاظ الواردة، فتعلم يقينًا أنه صلى الله عليه وسلم، لم يتلفظ بجميع هذه الألفاظ، بل لا يجزم بأنه قال بعضها، إذ يحتمل أنه قال لفظًا مرادفًا لهذه الألفاظ، فأتت الرواة بالمرادف، ولم تأت بلفظه إذ المعنى هو المطلوب، ولا سيما تقادم السماع وعدم ضبطها بالكتابة والاتكال على الحفظ. والضابط منهم من ضبط المعنى. وأما من ضبط اللفظ فبعيد جدًّا، لا سيما في الأحاديث الطوال. وقد قال سفيان الثوري: إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت، فلا تصدقوني، إنما هو المعنى. ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم يروون بالمعنى"٢.

"وفي سنن الترمذي، عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال: إذا حدثناكم على المعنى فحسبكم، ورواية الذهبي في سير أعلام النبلاء: إذا حدثتكم بالحديث على معناه فحسبكم"٣.

لقد وجد الصحابة أن من الصعب عليهم حفظ كلام الرسول بالنص والحروف، وهم معه في كل وقت، يحدثهم ويحدثونه، فيشق عليهم ضبط كلامه، وهم لا يكتبونه ولا يكررونه عليه، وليس من الممكن أن يجلس رسول الله، ثم يطلب من أصحابه إعادة كل كلام كلمهم به، فسأله أحدهم: "يا رسول الله، إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤديه كما أسمعه منك، يزيد حرفًا أو ينقص


١ خزانة الأدب "١/ ٥"، "طبعة بولاق".
٢ خزانة الأدب "١/ ٥ وما بعدها"، "بولاق"، أعلام النبلاء، للذهبي "٣/ ٢٥٩".
٣ أبو رية، أضواء على السنة المحمدية "٨١".

<<  <  ج: ص:  >  >>