للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرفًا. فقال: إذا لم تحلّوا حرامًا ولم تحرموا حلالًا وأصبتم المعنى فلا بأس"١.

وكان من الصحابة من يروي حديثه تامًّا، ومنهم من يأتي بالمعنى، ومنهم من يورده مختصرًا، وبعضهم يغاير بين اللفظتين ويراه واسعًا إذا لم يخالف المعنى.

وروي عن "مكحول"، "قال: دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة بن الأسقع، فقلنا له: حدثنا بحديث سمعته من رسول الله ليس فيه لا تزيد ولا نسيان! فقال: هل قرأ أحد منكم من القرآن شيئًا؟ فقلنا: نعم، وما نحن له بحافظين جدًّا. إنا نزيد الواو والألف وننقص، فقال: هذا القرآن مكتوب بين أظهركم لا تألونه حفظًا، وأنكم تزعمون أنكم تزيدون وتنقصون، فكيف بأحاديث سمعناها من رسول الله صلى الله عله وسلم، عسى ألا يكون سمعنا لها منه إلا مرة واحدة؟ حسبكم إذا حدثناكم بالحديث على المعنى.

وكان ابن أبي ليلى يروي الشيء مرة هكذا ومرة هكذا بغير إسناد، وإنما جاء هذا من جهة حفظه، لأن أكثر من مضى من أهل العلم كانوا لا يكتبون، ومن كتب منهم فإنما كان يُكتب لهم بعد الساع، وكان كثير منهم يروي بالمعنى فكثيرًا ما يعبر عنه بلفظ من عنده فيأتي قاصرًا عن أداء المعنى بتمامه، وكثيرًا ما يكون أدنى تغيير له محيلًا له وموجبًا لوقوع الإشكال فيه، وقد أجاز الجمهور الرواية بالمعنى"٢.

ولتجويزهم رواية الحديث بالمعنى، لم يحتج أئمة النحو المتقدمين من المصرين بشيء من الحديث في النحو، واعتمدوا في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب "ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث، لكان الأولى في إثباته فصيح اللغة كلام النبي، صلى الله عليه وسلم، لأنه أفصح العرب"٣.

جرى على ذلك الواضعون الأولون لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، والخليل، وسيبويه من أئمة البصرة، والكسائي، والفراء، وعلي بن المبارك الأحمر، وهشام الضرير من أئمة الكوفة.

فعلوا ذلك لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول، إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى


١ العراقي، فتح المغيث بشرح ألفية الحديث "٣/ ٥٠". أبو رية "٧٨".
٢ أبو رية، أضواء على السنة المحمدية "٨١".
٣ الخزانة "١/ ٤ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>