للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويذكر أهل الأخبار، أن "ضمادًا" لما قدم مكة معتمرًا، "سمع كفار قريش يقولون: محمد مجنون. فقال: لو أتيت هذا الرجل فداويته، فجاءه فقال له: يا محمد، إني أداوي من الريح، فإن شئت داويتك لعل الله ينفعك.

فتشهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحمد الله وتكلم بكلمات فأعجب ذلك ضمادًا فقال: أعدها عليّ، فأعادها عليه، فقال: لم أسمع مثل هذا الكلام قط، لقد سمعت كلام الكهنة والسحرة والشعراء فما سمعت مثل هذا قط"١. فالكهنة والسحرة والشعراء هم طبقة خاصة، كانوا يؤثرون في عواطف السامعين باستعمالهم أسلوبًا خاصًّا من الكلام، هو أسلوب السجع، بالنسبة إلى الكهنة والسحرة، والشعر بالنسبة إلى الشعراء. أما الخطباء، فقد كانوا سجاعًا في الغالب، لكنهم كانوا يستعملون المرسل من النثر أيضًا بأساليبه المختلفة.

وقد ذكر "الجاحظ" أن "الكهان" كانوا "يتكهنون ويحكمون بالأسجاع"٢، هذه "زبراء" تنذر "بني رئام"، عن أنباء ستقع، فتقول "واللوح الخافق والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الوادق، إن شجر الوادي ليأدوا خَتْلا، ويحرق أنيابًا عُصلا، وإن صخر الطود لينذر ثُكلا، لا تجدون معه معلا، فوافقت قومًا أشارى سكارى، فقالوا: يرح خجوج، بعيدة ما بين الفُرُوج، أنت زبراء بالأبلق النتوج. فقالت زبراء: مهلًا يا بني الأعزة، والله إني لأشم ذفر الرجال تحت الحديد، فقال لها فتى منهم يقال له هذيل بن منقذ: يا حذاق، والله ما تشمين إلا ذفر إبطيك، فانصرفت عنهم وارتاب قوم من ذوي أسنانهم، فانصرف منهم أربعون رجلًا وبقي ثلاثون فرقدوا في مشربهم، وطرقتهم بنو داهن وبنو ناعم فقتلوهم أجمعين"٣.

وهذا كاهن "بني أسد" "عوف بن ربيعة"، يأتيه "رئيه"، فيتكهن لقومه قائلًا: "يا عبادي، قالوا: لبيك ربنا، قال: من الملك الأصهب، الغلاب غير المغلب، في الإبل كأنها الربرب، لا يعلق رأسه الصخبن هذا دمه ينثعب، وهذا غدًا أول من يُسلب، قالوا: من هو يا ربنا؟ قال:


١ ابن سعد، طبقات "٤/ ٢٤١"، "الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار".
٢ البيان والتبيين "١/ ٢٨٩ وما بعدها".
٣ الأمالي للقالي "١/ ١٢٦ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>