للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"هذيل"، أو "عقيل" وفي قول بعضهم: هذه النخيل. وقول بعض آخر: هذا النخيل إلى غير ذلك من مواطن خلاف وتباين بحث فيها العلماء١، لا مجال للبحث فيها في هذا المكان، ووجود هذا الاختلاف، هو دليل في حد ذاته على خروج القبائل على قواعد اللغة، والخروج على القواعد هو اللحن.

لقد أقر علماء العربية بوجود خلاف بين القبائل المتكلمة بلهجات عربية شمالية، وقد أشرت إلى مواضع ذكروها في هذا الباب، وكشف علماء النحو عن خلاف في قواعد النحو في مثل اختلاف القبائل في التذكير والتأنيث، كما في مثل الطريق والسوق والسبيل والتمر، فهي ألفاظ مؤنثة عند أهل الحجاز، وهي مذكرة عند قبائل أخرى، وكشفوا عن أمور أخرى، إن تكلم المتكلم أو كتب بها عَدَّ صدور ذلك لحنًا منه، فهل يعد العربي المتكلم بلهجة من هذه اللهجات المخالفة مخالفًا لقواعد العربية، أي لَحَّانًا، كما نعدُّ الأعجمي الذي يقع في الخطأ نفسه، أم نعده فصيحًا، عربي اللسان والسليقة؟ أما الأعجمي الذي يقع في الخطأ ذاته فنعده لحانًا لحنة!

لقد ذكروا أن الرسول "حين جاءته وفود العرب، فكان يخاطبهم جميعًا على اختلاف شعوبهم وقبائلهم وتباين بطونهم وأفخاذهم، وعلى ما في لغاتهم من اختلاف الأوضاع وتفاوت الدلالات في المعاني اللُّغوية، على حين أن أصحابه -رضوان الله عليهم- ومن يَفِدُ عليه من وفود العرب الذي لا يوجه إليهم الخطاب، كانوا يجهلون من ذلك أشياء كثيرة، حتى قال له علي بن طالب -كرم الله وجهه- وسمعه يخاطب وفد بني نهد: يا رسول الله، نحن بنو أب واحد ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره؟ فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوضح لهم ما يسألونه عنه مما يجهلون معناه من تلك الكلمات"٢، فهل يعقل بعد، أن يقال إن العربي كان لا يلحن ولا يخطئ في كلامه ولا يزيغ عن العربية المبينة، والعرب هم على ما هم عليه من اختلاف اللهجات، الذي يدفع حتمًا على وقوع اللحن، لو تكلموا بالعربية القرآنية، أي هذه العربية التي يسميها علماء اللغة لغة قريش، والتي هي اللسان العربي المبين على تسمية القرآن لها.


١ الرافعي، تأريخ آداب العرب "١/ ١٢٠ وما بعدها".
٢ المزهر "١/ ٣٢٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>