للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي يخرجها مخارج الغناء، ولهذا نجد المقطوعات الشعرية القديمة التي وصلت إلينا مدونة في كتابات مختلف الشعوب لا تشبه الشعر المعروف، إذ فيه تحرر، وفيه اعتماد على الترنم والإنشاد وعلى فن الإلقاء، أما الاعتبارات الفنية المعروفة، فهي من عمل الشعراء المتأخرين الذين أحلُّوا الوزن محل الإلقاء، ووضعوا قواعد فنية في نظم الشعر. فلم تكن الأبيات الشعرية في الشعر القديم متساوية، ولم تكن هناك قوافي بالضرورة، حتى إنك لا تستطيع تمييز القطعة الشعرية عن غيرها، إلا بالإنشاد ١.

والشعر من أقدم الأحاسيس التي عبر بها الإنسان عن نفسه، فهو يعبر عن عواطفه وعن أحاسيسه، من سرور أو حزن، أو ألم, عن اهتمامه بالأمور وعن تصوراته، وعن كل ما يدور في رأسه من أمور تسترعي حسه، فيشعر عندئذ بالترفيه عنه بإخراجها كلامًا فيه نغم "Rhythm"، أي إيقاع ووزن، وفيه توازن ونظام بين أجزائه، على غرار ما يفعله الراقص في رقصه، من إقران رقصه بحركات موزونة. وهو من العواطف المولودة في الإنسان. ولهذا تعد العواطف التي يعبر بها الإنسان عن نفسه شعرًا، وإن خرجت بغير بحور، وبدون وزن ولا قافية ففي كلام سارة: "وقالت سارة قد أنشأ الله لي فرحًا فكل من سمع يفرح لي، وقالت من كان يقول لإبراهيم إن سارة سترضع ابنًا، فقد ولدت ابنًا في شيخوخته"٢، وفي الآيات: "ثم أخذت مريم النبية أخت هارون الدف في يدها وخرجت النساء كلهن وراءها بدفوف ورقص. فجاوبتهم مريم: سبحوا الرب، لأنه قد تعظم بالمجد. الفرس وراكبه طرحهما في البحر"٣، وفي مباركة يعقوب أبناءه عند شعوره بدنو أجله، وفي كلام موسى حين قهر فرعون، معانٍ شعرية، وتعد من أقدم أنواع الشعر السامي التصويري.

وذلك لأن الشعر السامي القديم، لم يكن يتقيد بالقافية "phyme"، ولا بالتفعيلات "feets" أو بالمقاطع القصيرة "short syllables"، وإن حاول ولا سيما


١ Hastings, dictionaryof the Bible, Vol, IV, p. ٧.
٢ التكوين، الإصحاح الحادي والعشرون، الآية "٦ وما بعدها".
٣ الخروج، الإصحاح الخامس عشر، الآية "٢٠ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>