للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأغاظ ذلك الشعراء المحدثين، وجعلهم يحنقون على علماء اللغة، ويسخرون منهم ومن عروضهم ونحوهم، ولم يخفف من غلواء هؤلاء العلماء إلا تغير الزمن، وبروز الأدباء الذين نظروا إلى الأدب نظرة أخرى، نظرة تقدر الجيد من الشعر من غير نظر إلى زمانه أو قائله.

ولابن قتيبة رأي في الشعر يخالف رأي أبي عمرو بن العلاء وأصحابه، رأيه في قيمة الشعر رأي الجاحظ الذي ذكرته، وقد عرضه بقوله: "رأيت من علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدم قائله، ويضعه في متخيره، ويرذل الشعر الرَّصين، ولا عيب له عنده إلى أنه قيل في زمانه، أو أنه رأى قائله.

ولم يقصر الله العلم والشعر والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خص به قومًا دون قوم، بل جعل ذلك مشتركًا مقسومًا بين عباده في كل دهر، وجعل كل قديم حديثًا في عصره، وكل شرف خارجية في أوله".

وقال: "ولم أسلك، فيما ذكرته من شعر كل شاعر مختارًا له سبيل من قلد، أو استحسن باستحسان غيره، ولا نظرت إلى المتقدم منهم بعين الجلالة لتقدمه، وإلى المتأخر بعين الاحتقار لتأخره، بل نظرت بعين العدل على الفريقين، وأعطيت كلا حظه، ووفرت عليه حقه"١.

قال خلف الأحمر: قال لي شيخ من أهل الكوفة: أما عجبت من الشاعر قال:

أنبت قيصومًا وجثجاثا ... فاحتمل له، وقلت أنا

أنبت إجاصًا وتفاحًا ... فلم يحتمل لي؟ "٢

ومن شدة عجب الناس بالشعر الجاهلي أنهم جعلوه أنموذجًا لشعرهم ودليلا لهم


١ الشعر والشعراء "١/ ١٠ وما بعدها"، "دار الثقافة".
٢ الشعر والشعراء "١/ ٢٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>